على وقع المطر - نازك الملائكة
أمطري , لا ترحمي طيفي في عمق الظلام
                                                                    أمطري صبّي عليّ السيل , يا روح الغمام
                                                                    لا تبالي أن تعيديني على الأرض حطام
                                                                    وأحيليني , إذا شئت , جليدا أو رخام
                                                                    اتركي ريح المساء الممطر الداجي تجنّ
                                                                    ودعي الأطيار , تحت المطر القاسي , تئنّ
                                                                    أغرقي الأشجار بالماء ولا يحزنك غصن
                                                                    زمجري , دوّي , فلن أشكو , لن يأتيك لحن
                                                                    أمطري فوقي , كما شئت , على وجهي الحزين
                                                                    لا تبالي جسدي الراعش , في كفّ الدجون
                                                                    أمطري , سيلي على وجهي , أو غشّي عيوني
                                                                    بللي ما شئت كّفيّ وشعري وجبيني
                                                                    أغرقي , في ظلمة الليل , القبور الباليه
                                                                    وألطمي , ما شئت أبواب القصر العاليه
                                                                    أمطري , في الجبل النائي , وفوق الهاويه
                                                                    أطفئي النيران , لا تبقي لحيّ باقيه
                                                                    آه ما أرهبك الان , وقد ساد السكون
                                                                    غير صوت الرّيح , في الأعماق , تدوي في جنون
                                                                    لم تزل تهمي , من الأمطار , في الأرض , عيون
                                                                    لم يزل قلبي حزينا , تحت أمواج الدجون
                                                                    أيّها الأمطار , قد ناداك قلبي البشريّ
                                                                    ذلك المغرق في الأشواق , ذاك الشاعريّ
                                                                    إغسليه , أم ترى الحزن حماه الأبديّ
                                                                    إنه , مثلك يا أمطار , دفّاق نقيّ
                                                                    ابدا يسمع , تحت الليل , وقع القطرات
                                                                    ساهما يحلم بالماضي وألغاز الممات
                                                                    يسأل الأمطار : ما أنت ؟ وما سرّ الحياة ؟
                                                                    وأنا , فيم وجودي ؟ فيم دمعي وشكاتي ؟
                                                                    أيها الأمطار ما ماضيك ؟ من أين نبعت ؟
                                                                    أابنة البحر أم السحب أم الأجواء أنت ؟
                                                                    أم ترى أدمع الموتى الحزانى قد عصرت ؟
                                                                    أم دموعي أنت يا أمطار في شدوي وصمتي ؟
                                                                    ما أنا ؟ ما أنت يا أمطار ؟ ما ذاك الخضمّ ؟
                                                                    أهو الواقع ما أسمع ؟ أم صوتك حلم ؟
                                                                    أيّ شيء حولنا ؟ ليل وإعصار وغيم
                                                                    ورعود وبروق وفضاء مدلهمّ
                                                                    أسفا لست سوى حلم على الأرض قصير
                                                                    تدفن الأحزان أيّامي ويلهو بي شعوري
                                                                    لست إلا ذرة في لجّة الدهر المغير
                                                                    وغدا يجرفني التيّار , والصمت مصيري
                                                                    وغدا تدفعني الأرض سحابا للفضاء
                                                                    ويذيب المطر الدفّاق دمعي ودمائي
                                                                    ما أنا إلا بقايا مطر ,ملء السماء
                                                                    ترجع الريح إلى الأرض به , ذات مساء
                                                                    أمطري , دوّي , اغلبي ضجّة أحزاني ويأسي
                                                                    أغرقيني , فلقد أغرقت في الآلام نفسي
                                                                    إملأي كأسي أمطارا فقد أفرغت كأسي
                                                                    واحجبي عني دجى أمسي فقد أبغضت أمسي