مـيـــاه الغـريـــب - علي ناصر كنانة
أحفرُ نهراً كلَّ صباح
                                                                    ينبعُ من روحي
                                                                    ليصبَّ مساءً
                                                                    في روحي.
                                                                    - هكذا أقاومُ الجفاف.
                                                                    *
                                                                    كلّما رأيتُ ماءً يجري
                                                                    استيقظتْ ذاكرةُ الأنهار:
                                                                    من "الغرّافِ"
                                                                    إلى "خريسانَ"
                                                                    يتهادى بي "دجلةُ"
                                                                    عكسَ التيار.
                                                                    - هو الحنين، وديدنُهُ.
                                                                    *
                                                                    الزوارقُ الورقيةُ
                                                                    التي عوّمَها ماءُ الطفولةِ
                                                                    احترقتْ في أعماق الساقية..
                                                                    وما عادت أوراق الكهولةِ
                                                                    تصلح لصناعةِ زورق،
                                                                    ولا الماءُ مائي.
                                                                    - يا لقسوتِها.. لعبة الزمن.
                                                                    *
                                                                    على حافاتِ "هور الحويزة"
                                                                    يتناقصُ الماءُ
                                                                    والطيورُ
                                                                    والجنودْ..
                                                                    وأنا أقرأُ المزيدَ من الكتب
                                                                    وأكتبُ المزيدَ من الشعر
                                                                    والمزيدَ من رسائل الحب
                                                                    حتى فاضَ بيَ التمرّد.
                                                                    - هكذا بقيتُ حياً.. أعني ميتاً.
                                                                    *
                                                                    افترشُ رملَ الخليج وقصائدَ السيّاب
                                                                    وحيداً أنتظرُ البصرةَ
                                                                    التي كانت تقع على كوكب المريخ!
                                                                    ولكن الكويتَ لم تمهلني
                                                                    والأممُ المتحدةُ زحلقتْني برفق
                                                                    على كوكبٍ جليدي
                                                                    يخادعُني بالألفة وأقاومُهُ بالحنين.
                                                                    - ما فتئتْ أسناني تصطّكُ برداً.. والذكريات.
                                                                    *
                                                                    كانت ستوكهولم تحاصرُني بالماء
                                                                    والبحرُ أمامي أنّى توجّهتُ..
                                                                    ولكنني.. ولا مرةً واحدةً
                                                                    غرفتُ حفنةً لأتذوقَها.
                                                                    - كنتُ أخشى على مذاق الرافدين من الملوحة.
                                                                    *
                                                                    كانت الباخرة "سيليا"
                                                                    تمخر عباب "بحر الشمال"
                                                                    من الشمال إلى الشمال
                                                                    وأنا الغريبُ على متنِها
                                                                    أبحثُ عن جنوبي الضائع.
                                                                    - دونَ مغيث.
                                                                    *
                                                                    وقفتُ على نهر "التايمز"
                                                                    مغمضَ العينين
                                                                    يتماوجُ تحتَ أحداقي
                                                                    نهرٌ آخر
                                                                    تدجّلَ وتفرّتَ في عروقي
                                                                    وما برحتْ نوارسُهُ المشاكسةُ
                                                                    تصطادُ أسماكي.
                                                                    - أكادُ أمسكُ نورساً بيدي.
                                                                    *
                                                                    كلّما عبرتُ نهر "الفولغا"
                                                                    يباغتُني
                                                                    إسفلتُ "جسرِ الشهداء"
                                                                    بأقدامي التي لم تغادرْهُ:
                                                                    جيئةً وذهاباً.
                                                                    - من أين لي بأقدامٍ تكفي لجسور الشهداء؟
                                                                    *
                                                                    لم يكن "المتوسط"
                                                                    سوى شرقٍ
                                                                    قرأتُهُ في رواية "منيف".
                                                                    وما "بيروت"
                                                                    إلاّ تعلّة الغريب.
                                                                    - الحدودُ المفتوحةُ مغلقةٌ جداً!
                                                                    *
                                                                    الدوحة 9/1/2005