يَا عُيُونَاً تَسْقِي العُيُونَ الرَّحِيقَا - خليل مطران
يَا عُيُونَاً تَسْقِي العُيُونَ الرَّحِيقَا
                                                                            وَاصِلِي مُدْمِناً أَبى أَنْ يُفِيقَا
                                                                    أَسْكِرِينِي عَلَى الدَّوَامِ وَأَفْنِي
                                                                            مُهْجَتِي أَدْمُعاً وَعَزْمِي حَرِيقا
                                                                    تِلْكَ خَمْرُ الحيَاةِ مَنْ لَمْ يَذَقْهَا
                                                                            مَرَّةً لَيْس بِالحَياةِ خَلِيقَا
                                                                    وَهْيَ حُسْنُ الحَيَاةِ سَعْداً وَبُؤْساً
                                                                            وَاصْطِبَاحاً لِشَرْبِهَا وَغَبُوقَا
                                                                    أَنْتِ يَا مَن سَقَتْ فؤَادِي مِنْهَا
                                                                            حَرَّ وَجْدٍ وَلَوْعَةٍ وَخُفوقَا
                                                                    إِظْلمِينِي مَا شَاءَ ظُلْمُكِ وَانْهِي
                                                                            آمِر الحُسْنِ أَنْ يَكُونَ شَفِيقَا
                                                                    عَذِّبِينِي فَقَدْ جَنَيْتُ عَلَى
                                                                            نَفْسِي وَأَمْسَيْتُ بِالْعِقَابِ حَقِيقَا
                                                                    فَلِهَذا العِقَابِ عَاوَدْتُ حُبِّي
                                                                            وَلأَلْقَاهُ خُنْتُ عَهْداً وَثِيقَا
                                                                    رُبَّ لَيْلٍ مُحَيَّرُ النَّجْمِ غَضٍّ
                                                                            فِيهِ لا يَهْتَدِي الضَّلُولُ طَرِيقَا
                                                                    ضَمَّنِي مُثْقَلاً بِهَمِّي كَبَحْرٍ
                                                                            ضَمَّ فِي جَوْفِهِ الْبَعيدِ غَرِيقَا
                                                                    أَحْسِبُ السُّرْجَ فِي حَشَاهُ قُرُوحاً
                                                                            وَأَرى الشَّهْبَ فِي سَمَاهُ حُرُوقا
                                                                    فِيهِ نَامَتْ سُعَادُ نَوْماً هَنِيئاً
                                                                            وَتَسَهَّدْتُ مُسْتهَاماً مَشُوقَا
                                                                    حَيْثُمَا وَارَتْنِي دُجَاهُ غُرُوباً
                                                                            أَبْصَرَتْنِي عَيْنُ الصَّبَاحِ شُرُوقَا
                                                                    قَدْ تَلَقَّيْتُهُ وَكَاَن كَثِيفاً
                                                                            ثُمَّ وَدَعْتُهُ وَكَانَ رَقِيقَا
                                                                    رَقَّ فَانْحَلَّ فَانْتَفَى غَيْرَ مُبْقٍ
                                                                            لِيَ مِنْهُ إِلاّ خَيَالاً دَقِيقَا
                                                                    ظَلَّ فِي جَانِبِي نَحِيلاً نُحُولِي
                                                                            كَالشَّقِيقِ الأَبَرَّ يَرْعَى شَقِيقا
                                                                    أَيُّهَا النَّائِمُونَ يَهْنِيكُمُ النَّوْ
                                                                            مَ وَلاَ زَالَ حَظيَ التَّأْرِيقَا
                                                                    إِنْ يَكُ السَّاهِرُونَ مِثْلِي كَثِيراً
                                                                            فَسُعَادٌ أَسَمَى وَأَسْنَى عَشِيقَا
                                                                    فَاتِنِي مِنْ جَمَالَها الوجْهُ طَلْقاً
                                                                            لاَ يُبَاهَى وَالْقَدُّ لَدْناً رَشِيقَا
                                                                    فَاتِنِي عَقْلُهَا الَّذِي يُبْدِعُ الخَا
                                                                            طِرَ رُوحاً وَهَيْكَلاً وَعُرُوقَا
                                                                    فَاتِنِي نَظْمُهَا الْقَرِيضَ فَمَا
                                                                            تَنْظِمُ عَقْداً فِي جِيدِهَا مَنْسُوقَا
                                                                    فَاتِنِي لُطْفُهَا الَّذِي يُنْعِشُ الوَجْدَ
                                                                            وَلَوْ شَاءَ أَنْعَشَ التَّوْفِيقَا
                                                                    وَيُقِيمُ الآمَالَ فِي النَّفْسِ كَالنو
                                                                            رِ يُحِيلُ البُذُورَ زَهْراً أَنِيقَا
                                                                    فِتَنٌ قَيَّدَتْ بِهِنَّ فُؤَادِي
                                                                            وَأَرَانِي إِذَا شَكَوْتُ عَقُوقَا
                                                                    كُلُّ مُسْتَأْسَرٍ يَوَدُّ انْطِلاَقاً
                                                                            وَشَقَائِي بِأَنْ أَكُونَ طَلِيقَا