يَا عَائِداً بِرِعَايَةِ الرَّحْمَنِ - خليل مطران
يَا عَائِداً بِرِعَايَةِ الرَّحْمَنِ
                                                                            أَلنِّيْلُ رَاضٍ عَنْكَ وَالهَرَمَانِ
                                                                    أَقْبَلْتَ مَوْفُورَ السَّلامَةِ فَائِزاً
                                                                            وَالمَوْتُ يَنْظُرُ نِظْرَةَ الخَزْيَانِ
                                                                    مِنْ جَانِبِ البَحْرِ المَهِيجِ تَجُوزُهُ
                                                                            فِي الجَوِّ أَوْ مِنْ جَانِبِ البُركَانِ
                                                                    للهِ دَرُّكَ مِنْ جَرِيءٍ حَازِمٍ
                                                                            لا مُبْطِيءٍ سَفَهاً وَلا عَجْلانِ
                                                                    وَدَّ الحِمَى لَوْ يَقْتَفِي آثَارَهُ
                                                                            جَيْشٌ مِنَ البُلاءِ فِي الفَتْيَانِ
                                                                    أَثْبَتَّ وَالفُلْكُ الضَّعِيفَةُ مَرْكَبٌ
                                                                            مَا يُسْتَطَاعُ بِقُوَّةِ الإِيمَانِ
                                                                    صِدْقُ العَزِيمَةِ وَاليَقِينِ إِذَا هُمَا
                                                                            وَفَرَا فَأَقْصَى مَا يُؤَمَّلُ دَانِي
                                                                    فِي مِصْرَ عِيدٌ لِلنُّبُوغِ تُقِيمُهُ
                                                                            لِلْخَالِدِينَ وَلا يُقَامُ لِفَانِي
                                                                    أَضْحَتْ وَحَاضِرُهَا كَمَا أَقْرَرْتَهُ
                                                                            تَسْتَقْبِلُ الأَيَّامَ بِاطْمِئْنَانِ
                                                                    وَتَلَفَّتَ المَاضِي إِلَيْكَ مُحَيِّياً
                                                                            أَمَلاَ بِهِ المَجْدَانِ يَلْتَقِيَانِ
                                                                    لِلْمُلْكِ فِي ذِمَمِ المَفَاخِرِ وَالعُلَى
                                                                            عِوَضٌ كَفَالَتُهُ عَلَى الشُّجْعَانِ
                                                                    أَليَوْمَ تَخْدُو فِي العَرِينِ أُسُودُهُ
                                                                            وَالنَّصْرُ بَيْنَ مَخَالِبِ العِقْيَانِ
                                                                    فِي الحَرْبِ أَوْ فِي السِّلْمِ لا تُقْضَى المُنَى
                                                                            إِلاَّ وَسَاعَاتُ الكِفَاحِ ثَوَانِ
                                                                    صِدْقِي تَلاهُ أَحْمَدٌ وَيَلِيهِمَا
                                                                            سِرْبُ الْبُزَاةِ يَجُوبُ كُلَّ عَنَانِ
                                                                    إِنِّي لَمَحْتُ هِلالَنَا وَكَأَنَّمَا
                                                                            يَبْدُو عَلَيْهِ تَلَهُّبُ الظَّمْآنِ
                                                                    لَوْ كَانَ شَاهَدَهُ أَخُوهُ لَرَاعَهُ
                                                                            بِجَمَالِ غُرَّتِهِ الهِلالُ الثَّانِي
                                                                    أَيَعُودُ فِي رَايَاتِ مِصْرَ وَظِلُّهُ
                                                                            فَوْقَ القُرَى يَمْشِي بِلا اسْتِئْذَانِ
                                                                    وَنَرَاهُ كَالعَهْدِ القَدِيمِ مُصَعِّداً
                                                                            وَنَرَى لَدَيْهِ تَطَامُنَ البُلْدَانِ
                                                                    أَهْلاً بِأَمْهَرِ فَارِسٍ مُتَرَجِّلٍ
                                                                            عَنْ مُصْعَبٍ يُرْتَاضُ بِالعِرْفَانِ
                                                                    خَوَّاضِ أَجْوَازِ العَنَانِ مُمَانِعٍ
                                                                            غَيْرَ النُّهَى عَنْ أَخْذِهِ بِعِنَانِ
                                                                    فَرَسٌ كَمَا حَلُمَ الجُدُودُ مَجُنَّحٌ
                                                                            قَدْ حَقَّقَتَّهُ يَقْظَةُ الأَزْمَانِ
                                                                    يَدعُو الرِّيَاحَ عَصِيَّةً فَتْنِيلُهُ
                                                                            أَكْتَافُهَا بِالطَّوْعِ وَالإِذْعَانِ
                                                                    يَسْمُو فَتَتَّضِعُ الشَّوَامِخُ دُونَهُ
                                                                            حَتَّى تَؤُوبَ بِذِلَّةِ الغيطَانِ
                                                                    ويَجُولُ بَيْنَ السُّحْبِ جَوْلَةَ مُمْعِنٍ
                                                                            فِي الفَتْحِ لا يَثْنِيهِ عَنْهُ ثَانِ
                                                                    فَإِذَا مَنَاثِرُهَا عَوَاثِرُ بِالدُّجَى
                                                                            وَبِحَارُهَا يَنْضُبْنَ مِنْ طُغِيَانِ
                                                                    وَإِذَا قُرَاهَا العَامِرَاتُ وَرَوضُهَا
                                                                            يُقْوِينَ مِنْ حُسْنٍ وَمِنْ عُمْرَانِ
                                                                    وَإِذَا مَنَاجِمُ تِبْرِهَا وَعَقِيقِهَا
                                                                            مَهْدُودَةٌ مَشْبُوبَةُ النِّيرَانِ
                                                                    وَإِذَا الصُّنُوفُ الكُثْرُ مِنْ حَيَوانِهَا
                                                                            صُورٌ مَنَكَّرَةٌ مِنَ الحَيوَانِ
                                                                    وَإِذَا عَوَالِمُ لَيْسَ مِنْهَا بَاقِياً
                                                                            إِلاَّ اخْتِلاطُ أَشِعَّةٍ وَدُخَانِ
                                                                    هَذِي أَلاعِيبُ الخَيَالِ وَصَفْتُهَا
                                                                            بِضُرُوبِ مَا تَتَوَهَّمُ العَيْنَانِ
                                                                    وَمِنَ المَخَاطِرِ مَا يَفُوقُ بِهَوْلِهِ
                                                                            مَا تُخْطِرُ الأَوْهَامُ فِي الأَذْهَانِ
                                                                    مَرَّ الكَمِيَّ بِهَا وَضَرَّى طِرْفَهُ
                                                                            بِالوَثْبِ فَوْقَ حَبَائِلِ الحِدْثَانِ
                                                                    حَتَّى إِذَا مَا جَالَ غَيْرَ مُدَافِعٍ
                                                                            أَوْ عَامَ بَيْنَ اللَّيْثِ وَالسَّرَطَانِ
                                                                    أَلْوَى يَحُطُّ فَمَا يَقُولُ شُهُودُهُ
                                                                            إِلاَّ جَلاَلَ النَّسْرِ فِي الطَّيَرَانِ
                                                                    فَإِذَا دَنَا خَالُوهُ عَرْشاً قَائِماً
                                                                            شَدَّتْهُ أَمْلاكٌ بِلا أَشْطَانِ
                                                                    فَإِذَا أَسََّ رَأَوْهُ مَرْكَبةً لَهَا
                                                                            عَجَلٌ تُسَيِّرُهَا يَدَا شَيْطَانِ
                                                                    فَإِذَا جَرَى ثُمَّ اسْتَوَى فَوْقَ الثَّرَى
                                                                            ظَهَرَتْ لَهُمْ أُعْجَوبَةَ الإِنْسَانِ
                                                                    يَا ابْنَ الكِنَايَةِ رَاشَ سَهْمَ فَخَارِهَا
                                                                            قَدْرٌ رَمَى بِكَ مَهْجَةَ العُدْوَانِ
                                                                    شَوْقٌ دَعَا فَأَجَبْتَ لا تَلْوِي بِمَا
                                                                            تُسْتَامُ مِنْ جَرَّائِهِ وَتُعَانِي
                                                                    وَأُحِسُّ بِالوَجْدِ الَّذِي حَمَّلْتَهُ
                                                                            مَتْنَ الأَثِيرِ فَشَعَّ بِالتَّحْتَانِ
                                                                    مَاذَا عَرَاكَ وَقَدْ نَظَرْتَ مُحَلِّقاً
                                                                            وَجْهَ الحِمَى بِجَمَالِهِ الفَتَّانِ
                                                                    فَبَدَا لَكَ القُطْرُ العَظِيمُ كَرُقْعَةٍ
                                                                            خَضْرَاءَ لا تَعْدُو مَدَى بُسْتَانِ
                                                                    وَجَلا لَكَ الرِّيفُ الحِلَى مَمْزُوجَةً
                                                                            بِالظَّاهِرِ الخَافِي مِنَ الأَلْوَانِ
                                                                    فِي مِصْرَ و الإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَالقُرَى
                                                                            خَفَّ الوَرَى بِتَعَدَّدِ السُّكَّانِ
                                                                    أَنْظُرْ إِلَى أَحْدَائِهِمْ وَكُهُولِهِمْ
                                                                            أُنْظُرْ إِلَى الفَتَيَاتِ وَالفِتْيَانِ
                                                                    أُنْظُرْ إِلَى البَادِينَ وَالخُضَارِ فِي
                                                                            حَلَبَاتِهَا اسْتَبَقُوا لِغَيْرِ رِهَانِ
                                                                    خَرَجُوا لِيَسْتَجْلُوا طَلِيعَةَ مَجْدِهِمْ
                                                                            فِي رَكْبِهِ المَحْفُوفِ بِاللَّمَعَانِ
                                                                    وَليَكْحَلُوا هُدْبَ الجُفُونِ بِإِثْمِدٍ
                                                                            مِنْ ذَرِّ ذَاكَ المِرْوَدِ النُّورَانِي
                                                                    وَليُبْلِغُوا شُكْرَ الحِمَى ذَاكَ الَّذِي
                                                                            أَعْلَى مَكَانَتَهُ إِلَى كِيوَانِ
                                                                    فَالأَرْضُ هَامَاتٌ إِلَيْكَ تَوَجَّهَتْ
                                                                            وَنَوَاظِرٌ نَحْوَ رَوَانِ
                                                                    أَشَعَرْتَ وَالنَّسَمَاتُ سَاكِنَةٌ بِمَا
                                                                            لِقُلُوبِهِمْ فِي الجَوِّ مِنْ خَفَقَانِ
                                                                    وَعَرَفْتَ فِي إِكْرَامِهِمْ لَكَ مُنْتَهَى
                                                                            مَا يَبْلُغُ الإِسْدَاءُ مِنْ عِرْفَانِ
                                                                    نَزَلَتْ سَفِينَتُكَ الصَّغِيرَةُ مِنْ عَلٍ
                                                                            تُزْجَى بِرَحْمَةِ رَبِّكَ المَنَّانِ
                                                                    كَلاَّ وَلا يَلِجُ الرَّجَاءُ وَلُوجَها
                                                                            فِي كُلِّ جَانِحَةٍ وكلِّ جَنَانِ
                                                                    لا يَأْخُذُ الأَبْصَارَ نُورٌ هَابِطٌ
                                                                            مُتَوَانِياً كَهُبُوطِهَا المُتَوانِي
                                                                    لَقِيَتْكَ حَاضِرَةُ البِلادِ لَقَاءهَا
                                                                            لأَجَلِّ ذِي حَقٍ عَلَى الأَوْطَانِ
                                                                    وَاسْتَقْبَلَ الثَّغْرُ الأَمِينُ نَزيلَهُ
                                                                            بِبَشَاشَةِ المُتَهّلِّلِ الجَذْلانِ
                                                                    مَا زَالَ لِلإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَضْلُهَا
                                                                            بِبِدَارَهَا وَالسَّبْقِ فِي المَيْدَانِ
                                                                    جَمَعَتْ حِيَالَكَ شِيبَهَا وَشَبَابَهَا
                                                                            كَالأَهْلِ مُؤْتَلِفِينَ وَالإِخْوَانِ
                                                                    مِنْ نُخْبَةٍ إِنْ يَدْعُهُمْ دَاعِي الفِدَى
                                                                            لَبَّاهُ كُلُّ سَمَيْذَعٍ مُتَفَانِ
                                                                    أَبْدِعْ بِحَشْدِهِمُ الَّذِي انْتَظَمَ العُلَى
                                                                            فِي مَوْضِعٍ وَجَلا الحِلَى فِي آنِ
                                                                    طَلَعَ الأَمِيرُ الفَرْدُ فِيهِ مَطْلَعاً
                                                                            عَجَباً تَمَنَّى مِثْلَهُ القَمَرَانِ
                                                                    عُمَرُ الَّذِي اخْتَلَفَتْ صِفَاتُ كَمَالِهِ
                                                                            وَجَلالُهَا وَجَمَالُهَا وَحَمَالُهَا سَيَّانِ
                                                                    الشَّرْقُ يَعْرِفُ قَدْرَهُ وَيَجِلُّهُ
                                                                            وَيَرَاهُ مِنْ أَعْلَى الذُّرَى بِمَكَانِ
                                                                    فَاهْنَأْ بِقُرْبِكَ مِنْهُ يَا صِدْقِي وَنَلْ
                                                                            مَا شِئْتَ فَخْرٍ وَرِفْعَةِ شَانِ
                                                                    وَتَلَقَّ مِنْهُ يَداً تُجِيدُ خِيَارَهَا
                                                                            وَتُكَافيءُ الإِحْسَانَ بِالإِحْسَانِ