سَلِمَتْ مِنْ شَوَائِبِ التَّكْدِيرِ - خليل مطران
سَلِمَتْ مِنْ شَوَائِبِ التَّكْدِيرِ
                                                                            أَعْيُنُ السَّيِّدِ الهُمَامِ الأَمِيرِ
                                                                    مَا عَرَاهَا أَذىً وَلَكِنْ تَغَشَّى
                                                                            عَارِضٌ دُونهَا جَلاءَ النُّورِ
                                                                    طَيْفُ غَادٍ مِنَ السَّحَابِ موَلٍّ
                                                                            شَابَ فِي سَيْرِهِ صَفَاءَ غَدِيرِ
                                                                    ظِلُّ جِرْمٍ قَدْ مَرَّ فِي سَمْتِ نَجْمٍ
                                                                            فَحَمَى نُورَهُ أَوَان المُرُورِ
                                                                    هَلْ عَلى سَالِمِ النَّوَاظِرِ بَأسٌ
                                                                            مِنْ غِشَاءٍ يَكون فِي المَنْظورِ
                                                                    حَفِظَ اللّهُ مُقْلَتيْكَ وَأَقْصَى
                                                                            عَنْهُمَا كُلَّ طَارِيءٍ مَحْذُورِ
                                                                    وَلَئِنْ أَغْضَتَا فَعَادَةُ صَفْحٍ
                                                                            فِيهِمَا عَن عَفَافِ نَفسٍ وَخِيرِ
                                                                    وَلئِنْ غُصَّتَا فذَلك مِمَّا
                                                                            غَضَّتَا عَنْ نَدَى يَدَيْكَ الكَثِيرِ
                                                                    شِيمَةٌ جَازَتِ السَّمَاحَةَ فَضْلا
                                                                            فاسْتَتَمَّتْ عَلى يَدِ المَقْدُورِ
                                                                    بِضَمِيرٍ عَلى البَلاءِ نَقِيٍّ
                                                                            وَفُؤَادِ عَلى المُصَابِ شَكُورِ
                                                                    كُلُّ خُلْقٍ مَا رَاضَهُ الدَّهرُ يوْماً
                                                                            بِكِبَارِ الصُّرُوفِ غَيْرُ كَبِيرِ
                                                                    هَكَذَا البَأْسُ إِنَّمَا لَيْسَ يَنفِي
                                                                            مِنْ فُؤَادِ الشُّجَاع لُطْفَ الشُّعُورِ
                                                                    لَكَ بَيْنَ الأَسَى وَبَيْنَ التَّأَسِّي
                                                                            ثُكلُ وَافٍ وَرُشْدُ هَادٍ صَبْورِ
                                                                    سَاعَةً يَغْلُبُ التَّأَسِّي فَتُلْفَى
                                                                            وَجَلِيلُ الأُمُورِ مِثْلُ الصَّغِيرِ
                                                                    وَأَوَاناً تَأْسَى عَلى الذِّكْرِ حَتَّى
                                                                            لَيُلِينُ البُكَاءُ صُمَّ الصخُورِ
                                                                    فَلَقَدْ أَلْتَقِيكَ تُلهَبُ شَوْقاً
                                                                            لِفَقِيدٍ غَضِّ الشَّبَابِ نَضِيرِ
                                                                    فَإِذَا مِنْكَ فِي غُضُونِ المُحَيَّا
                                                                            مَلْمَحٌ لِلسُّهَادِ وَالتَّفْكِيرِ
                                                                    وَإِذَا مِنْكَ رَسْمُ ذَاكَ المُفَدَّى
                                                                            فِي جَبِينٍ يَشِفُّ كَالْبَلُّورِ
                                                                    يَتَرَاءَى مِنْ عَالَمِ الغَيْبِ فِيهِ
                                                                            كَتَرَائِي النَّجْمِ البَعِيدِ المُنِيرِ
                                                                    وَأَرَى فِي العُيُونِ مِنْكَ لِحَاظاً
                                                                            تَتَرَامَى إِلى خَوَالِي الدُّهُورِ
                                                                    لاحِقَاتٍ بِهِ حِرَاصاً عَلَيْهِ
                                                                            وَسُلُوُّ المَاضِينَ شَرُّ القُبُورِ
                                                                    وَأَرَى أَدْمُعاً تَسيلُ حِرَاراً
                                                                            مِنْ فُؤَادٍ مُكَلَّمٍ مَحُرُورِ
                                                                    كَمِياَهِ العُيُونِ تَجْرِي بِذَوْبٍ
                                                                            مِنْ مَشِيبِ الجِبَالِ مِلْءَ النُّهُورِ
                                                                    يَسْتَوِي الجَارِيَانِ بِالصَّفْوِ إِلاَّ
                                                                            أَنَّ مَاءَ الدَّمُوعِ غَيْرُ قَريرِ
                                                                    حَسْبُ جَفْنيْك يَا مُحَمَّدُ جُوداً
                                                                            تَعِبَاً مِنْ هَذَا البُكاءِ الغَزِيرِ
                                                                    أَفتبْكِي وَأَنْتَ أَوْسَعُ عِلْمَاً
                                                                            بِسَمَاحِ المُعْطِي وَسَلْبِ القَدِيرِ
                                                                    أَفَتَبْكِي وَإِنَّ نَجْلَك يُغْنِي
                                                                            مِنْ كِرَامِ البَنِينِ عَنْ جُمْهُورِ
                                                                    أَفتبْكِي وَمِنْ بَنِيك وَفِيرٌ
                                                                            هُمْ بنُو ذلِك النَّوَالِ الوَفِيرِ
                                                                    أَفتبْكِي وَمَنْ جزِعْتَ عَلَيْهِ
                                                                            نَاعِمٌ فِي الجِنانِ بَيْنَ الحُورِ
                                                                    خالِدُ الذِّكْرِ فِي فُؤَادِكَ حَيٌّ
                                                                            ثَابِتُ الرسْمِ فِي النُّهَى وَالضَّمِيرِ
                                                                    نَائِلٌ مِنْ جَمِيلِ وُدِّكَ أَوْفى
                                                                            بِرِّ بَاقٍ بِرَاحِلٍ مَبْرُورِ
                                                                    مَا تُرَى هَذِهِ المَدَامِعُ تُغْنِي
                                                                            مِنْ قَضَاءٍ مُحَتَّمِ التَّقْدٍيرِ
                                                                    لَكِنِ اللّهُ شَاءَ لِلبِرِّ خِصْباً
                                                                            فَسَقَاهُ مِنْ مَائِهِنَّ الطَّهُورِ