أَمِنُوا بِمَوتِكَ صَولَةَ الرِّئْبالِ - خليل مطران
أَمِنُوا بِمَوتِكَ صَولَةَ الرِّئْبالِ
                                                                            مَاذَا خَشَوْا مِنْ فِتْنَةِ التِّمْثَالِ
                                                                    حَبَسُوهُ عنْ مُقَلٍ إِلَيْهِ مَشوقَةٍ
                                                                            فَاضَت أَسىً وَدُمُوعُهُنَّ غَوَالِ
                                                                    حَتَّى أَرَادَتْ مِصْرُ غَيْرَ مُرَادِهِمْ
                                                                            وَجَلاَهُ مِنْ أَوْفَى بَنِيهَا جَالِ
                                                                    أَتُهيِّيءُ اسْتِقْلاَل قَوْمِكَ جَاهِداً
                                                                            وَتُذَادُ عنْهُم يَوْمَ الاِستِقْلالِ
                                                                    أُنْصِفْت بعْضَ الشَّيءِ بلْ هِي تَوْبة
                                                                            فِي بدْئِهَا وَلِكُلِّ بَدْءٍ تَالِ
                                                                    فلَقَدْ تَؤُوبُ وَجَدُّ غَيْرِكَ عَاثِرٌ
                                                                            فِيما ادَّعَى صلَفاً وَجَدُّكَ عَالِ
                                                                    يَا حُسْنَ عَوْدِكَ وَالكِنَانَةُ حُرَّةٌ
                                                                            تَلْقَاكَ بِالإِكْرَامِ وَالإِجْلاَلِ
                                                                    أَيَرُوعُكَ الحَشْدُ الَّذِي بِكَ يَحْتَفِي
                                                                            مِنْ غُرِّ فِتْيَانٍ وَصِيدِ رِجالِ
                                                                    مَاذَا بَثَثْتَ مِنَ الحَيَاةِ جدِيدَةً
                                                                            فِي هَذِهِ الآسَادِ وَالأَشْبَالِ
                                                                    بَعْثٌ لِموْطِنِكَ العَزِيزِ رجَوْتَهَ
                                                                            وَسِوَاكَ يحْسبُهُ رجَاءَ مُحَالِ
                                                                    خَاطَرتَ فِيهِ بِالشَّبَابِ وَبذْلهُ
                                                                            سَرَفٌ لمَطْلُوبٍ بَعِيدِ منَالِ
                                                                    أَيْ مُصْطَفَى وَلَّتْ سِنُونَ وَما اشْتَفَى
                                                                            شَوْقِي إِلَيْكَ فَهُنَّ جِد طِوَالِ
                                                                    عجبٌ بَقَائِي بعْدَ أَكْرمِ رُفْقَةٍ
                                                                            زَالُوا ولَم يَشَإِ القَضَاءُ زَوَالِي
                                                                    هُمْ صفْوَةُ الدُّنْيَا وَكَانوا صفْوَهَا
                                                                            وأَحَقُّ حيٍ بِالأَسى أَمْثَالِي
                                                                    حُزْنٌ بَعِيدُ الغَوْرِ فِي قَلْبِي فَإِنْ
                                                                            وَجَبَ الرِّثَاءُ فَإِنِّمَا يُرْثَى لِي
                                                                    مَاذَا أَقُولُ وهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ
                                                                            وشُخوصُهُمْ مِلْءُ الزَّمانِ حِيَالِي
                                                                    تَعْتَادُنِي فِي مَسْمَعِي أَوْ نَاظِرِي
                                                                            وَإِلى يَمِينِي تَارَةًٍ وَشِمَالِي
                                                                    إِني لأَحْفَظُ عَهْدَهُمْ وأَصُونُهُ
                                                                            فِي كُلِّ حَادِثَةٍ وَلَستُ بِآلِ
                                                                    وَكَأَنَّ حِسِّيَ حِسُّهُمْ فَرَحاً بِمَا
                                                                            يَقْضِي الحِمَى مِنْ حَقِّهِمْ ويُوَالِي
                                                                    كَمْ فِي مَغَارِسِهِمْ جَنًى أَلْفَيْتُهُ
                                                                            مُتَجَدِّداً بِتَعَاقُبِ الأَحْوالِ
                                                                    سَلوَى أَتاحَتْهَا مآثِرُهُمْ وقَدْ
                                                                            يغْدُو الفِرَاقُ بِهَا شَبِيهَ وِصَالِ
                                                                    وَكَذَاكَ مَجْدُ العَبْقَرِيَّةِ والفِدَى
                                                                            لاَ ينْقَضِي بِتَحَوُّلِ الأَحْوَالِ
                                                                    أَيْ مُصْطَفَى مَا كُنْتَ إِلاَّ كَامِلاً
                                                                            لوْ كَانَ يُتَصفُ امْرُوءٌ بِكَمِالِ
                                                                    ماذا لَقِيتَ مِنَ الصِّبَا وَنعِيمِهِ
                                                                            غَيرَ المكَارِهِ فِيهِ والأَهْوَالِ
                                                                    إِني شَهِدْتُ شَهَادَةً العَيْنَيْنِ ما
                                                                            عَانَيْتَ فِي الغدُوَاتِ وَالآصالِ
                                                                    مُتَطَوِّعاً تَسْخُو بِمَا يُفنِي القُوى
                                                                            مِنْ جُهْدِ أَيَّامٍ وسُهدِ لَيَالِ
                                                                    إِذْ قُمْت بِالأَمْرِ الجُسَامِ ولَمْ يَكُنْ
                                                                            زَمَناً فَما مِنْ مُسْعِدٍ ومُوَالِ
                                                                    حَال التَّوَرُّعُ دُون إِغْرَاءِ المُنَى
                                                                            زَمَناً فَما مِنْ مُسْعِدٍ ومُوَالِ
                                                                    وَالقَوْمُ فِي ظَمَإ وَوَعْدُكَ مُطْمِعٌ
                                                                            لَكِنْ يَرَوْنَ لَهُ رَفِيف الآلِ
                                                                    تَسعى ويَعْتَرِضُ السَّبِيلَ قنُوطُهُمْ
                                                                            فِي كُلِّ حَل مِنْكَ أَوْ تَرْحَالِ
                                                                    فَتظَلُّ تَضرِبُ فِي جوَانِبِهِ وَمَا
                                                                            تُلْقِي إِلى نُذُرِ الحُبُوطِ بِبَالِ
                                                                    لَكَ دُونَ مَا تَبْغِي مَضَاءُ مُصمِّم
                                                                            لاَ يَنْثَنِي وبلاَءُ غَيرِ مُبَالِ أحأ
                                                                    حَتَّى إِذَا وَضَح اليَقِينُ وصدَّقَتْ
                                                                            دعْوَاكَ آيةُ ربِّكَ المُتَعالِي
                                                                    فَثَويْتَ أَظْهَرَ مَا تَكُونُ عَلَى عِدَى
                                                                            مِصْرٍ بِعُقْبَى دَائِكَ المُغْتَالِ
                                                                    هَزَّتْ مَنِيَّتُكَ البِلاَدَ وَلَمْ تَكُنْ
                                                                            بِأَشَدَّ مِنْهَا هِزَّةُ الزِّلْزَالِ
                                                                    فَالقَوْمُ مِنْ جَزَعٍ عَلَيْكَ كَأَنَّهُمْ
                                                                            آلٌ وَقَدْ رُزِئُوا عَزِيزَ الآلِ
                                                                    كَشَفَ الأَسَى لَهُمُ الحِجَابَ فَأَيْقَنُوا
                                                                            أَنَّ الحَيَاةَ مَطَالِبٌ وَمَعَالِي
                                                                    وَتَبَيَّنُوا أَنَّ الخُنُوعَ مَهَانَةٌ
                                                                            لاَ يُسْتَطَالُ بِهَا مَدَى الآجَالِ
                                                                    لِلهِ حُسْنُ بِلائِهِمْ لَمَّا أَبَوْا
                                                                            مُتَضَافِرِينَ دَوَامَ تِلْكَ الحالِ
                                                                    وَتَوَثَّبُوا بِعَزِيمَةٍ مَصْدُوقَةٍ
                                                                            بَرِئَتْ مِنَ الأحْقَادِ وَالأَوْجَالِ
                                                                    يَرِدُونَ حَوْضاً وَالمَنَايَا دُونَهُ
                                                                            مُسْتَبْسِلِينَ ضُرُوب الاسْتِبْسَالِ
                                                                    حَتَّى أُتِيح الفَتْحُ يَجْلُو حُسْنَهُ
                                                                            فِي يَوْمِهِ إِحْسَانُ يَوْمٍ خَالِ
                                                                    فَتْحٌ بَدَا اسْمُكَ وَهْوَ فِي عُنْوَانِهِ
                                                                            مُتَخَضِّباً بِدَمِ الشَّبَابِ الغَالِي
                                                                    إِيهاً شَهِيدَ الحُبِّ لِلبَلَدِ الَّذِي
                                                                            لا أَنْتَ سَالِيهِ وَلاَ هُوَ سَالِ
                                                                    أَبْهِجْ بِأَوْبَتِكَ السَّنِيَّةِ طَالِعاً
                                                                            فِي أُفْقِهِ كَالكَوْكَبِ المُتَلاَلِي
                                                                    لِلذِّكْرِ آفَاقٌ سَحِيقَاتُ المَدَى
                                                                            وَلِزُهْرهَا المُتَأَلِّقَاتِ مَجَالِي
                                                                    فَإِذَا دَنَتْ مِنَّا فَتِلْكَ عَوَالِمٌ
                                                                            وَإِذَا نَأَتْ عَنَّا فَتِلْكَ لآلِي
                                                                    تَطْوِي مِنَ الأدْهَارِ مَا لاَ يَنْقَضِي
                                                                            وَتَجُولُ فِي الأَفْكَارِ كُلَّ مَجَالِ
                                                                    أَنْوَارُ وَجْهِكَ طَالَعْتنَا اليَوْمَ مِنْ
                                                                            بُرْجٍ حَلَلْتَ بِهِ لِغَيْرِ زِيَالِ
                                                                    قَدْ أَثْبَتَتْهَا مِصْرُ بَيْنَ عُيُونِها
                                                                            فَالحَالُ مُتَّصِلٌ بِالاسِتقْبَالِ
                                                                    نِعْمَ الثَّوَابُ لِذِي مَآثِرَ فِي النَّدَى
                                                                            فَرَضَتْ مَحَبَّتَهُ عَلَى الأَجْيَالِ
                                                                    فِتْيَانَ مِصْرَ وَعَهْدُهَا غَيْرُ الَّذِي
                                                                            عَانَتْهُ فِي الأَصْفَادِ وَالأَعْلاَلِ
                                                                    حَيُّوا مُدِيلَ حَيَاتِهَا مِنْ يَأْسِها
                                                                            وَمُذَلَّلَ الآلاَمِ لِلآمَالِ
                                                                    حَيُّوا زَعِيمَ اليقْظَ الأُولَى بِهَا
                                                                            وَخَطِيبَ ثَوْرَتِهَا فِي الاسْتِهَلاَلِ
                                                                    هَذِي مَوَاكِبُهَا وَتِلْكَ وُفُودَهَا
                                                                            فِي مُلْتَقَى ذِي رَوْعَةٍ وَجَمَالِ
                                                                    حَفَلَتْ بِرَمْزِ نُهُوضِهَا وَمِثَالُهُ
                                                                            مَا لاَ تُدَانِي صَنْعَةُ المَثَّالِ
                                                                    لَكنَّهَا مُهَجٌ بَنَتْهُ وَلَمْ تَكُنْ
                                                                            إِلاَّ ذَرَائِعَهَا فُضُولُ المَالِ
                                                                    وَكَفَاهُ فَخْراً أَنَّ ذَاكَ المَالَ لَمْ
                                                                            يَكُ مَكْسَ جَابٍ أَوْ تَطَوُّلَ والِ
                                                                    رسْمٌ يَلُوحُ وَفِيهِ مَعْنَى أَصْلِهِ
                                                                            فَيَرُوعُ بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَخَيَالِ
                                                                    لانَ الحَدِيدُ لَهُ فَصَاغَ لِعَينِهِ
                                                                            أَثَراً عَلَى الأَيَّامِ لَيْسَ بِبَالِ
                                                                    كَمْ فِي بَلِيغِ سُكُونِهِ مِنْ عِبْرَةٍ
                                                                            أَوْفَى وَأَكْفَى مِنْ فَصِيحِ مَقَالِ
                                                                    هُوَ خَالِدٌ وَيَظَلُّ مِدْرَهَ قَوْمِهِ
                                                                            فِي كُلِّ نَازِلَةٍ وَكُلِّ نِضَالِ
                                                                    عَطْفُ المَلِيكِ وَقَدْ أَمَاطَ حِجَابَهُ
                                                                            رَفَعَ المَقَامَ إِلَى مَقَامِ جَلاَلِ
                                                                    أَعْلَى المُلُوكِ مَكَانَةً أَرْعَاهُمُ
                                                                            لِمَكَانَةِ العُلَمَاءِ وَالأَبْطَالِ
                                                                    فَارُوقُنَا المَحْبُوبُ يَقْرنُ عَزْمَه
                                                                            بِالحَزْمِ وَالإِنْصَافِ بِالإِجْمَالِ
                                                                    لِيَعِشْ سَعِيداً بَالِغاً مِنْ دَهْرِهِ
                                                                            مَا شَاءَ مِنْ عِزّ وَمِنْ إِقْبَالِ