الكمنجة المحطّة - إيليا أبو ماضي
شاهدتها كالميّت في اكفانه
                                                                            فوجئت إلاّ عبرة أذريها
                                                                    مهجورة كسفينة منبوذة
                                                                            في الشّطّ غاب وراءه ماضيها
                                                                    نسجت عليها خيوطها
                                                                            و كسى الغبار غلالة تكسوها
                                                                    أقوت و باتت كالمسامع بعدها
                                                                            لا شيء يطربها و لا يشجيها
                                                                    و كأنّها ، في صمتها ، مشدوهة
                                                                            أن لا ترى بهتافها مشدوها
                                                                    لاحسّ في أوتارها ، لا شوق في
                                                                            أضلاعها ، لا حسن في باقيها
                                                                    فارزح بحزنك ، يا حزين ، فإنّها
                                                                            لا تنشر الشّكوى و لا تطويها
                                                                    و إذا انفضى عهد التعلّل بالمنى
                                                                            فالنّفس يشفقيها الذي يرديها
                                                                    ***
                                                                    لله عهد مرّ لي ظلّها
                                                                            أبكى عليه و تارة أبكيها
                                                                    كانت كأنّ ضاوعها موصوله
                                                                            بأضالعي و سرائري في فيها
                                                                    كم مرّة حامت غرابيب الأسى
                                                                            لتقيت من قلبي الجريح بنيها
                                                                    فإذا الأغاريد اللّطيفة دونها
                                                                            سور يصون حشاشتي و يقيها
                                                                    كم هزّني الشّدو الرخيم فساقطت
                                                                            نفسي همومما أوشكت تبليها
                                                                    فإذا أنا مثل البنفسجية التي
                                                                            ذبلت فباكرها النّدى يحييها
                                                                    و لكم سمعت خفوق أجنحة المنى
                                                                            و حفيفها في نغمة توحيها
                                                                    فسكرت حتّى ما أوعى سكر امريء
                                                                            بالخمر أترع كأسه ساقيها
                                                                    ورأيتني من جنّة سحريّة
                                                                            لا يرتوي من حسنها رائيها
                                                                    و لمحت أحلام الشّباب مواكبا
                                                                            تتلاى أمامي و الهوى حاديها
                                                                    سرّ السعادة في الرّوءى إنّ الرءوى
                                                                            لا كفّ تثبتها و لا تمحوها
                                                                    و لكم سمعت دبيب أشباح الأسى
                                                                            عند المسا في أنّه تزجيها
                                                                    فذكرت ثمّ محاسنا الثرى
                                                                            غابت و شوّهها البلى تشويها
                                                                    فإذا أنا كالسنديانه شوشت
                                                                            أغصانه الريح التي تلويها
                                                                    أو كالسفينة في الضباب طريقها
                                                                            ضلّت ، و غابت أنجم تهديدها
                                                                    شهد الدّجى و الفجر أنّي جازع
                                                                            لسكونها جزع الغدير أخيها
                                                                    ما أن سمعت أنينه و نشيجه
                                                                            إلاّ و يعرو النفس ما يعروها
                                                                    روّى الثرى ، يا ليت روحي في الثرى
                                                                            أو في النبات لعلّة يرويها
                                                                    ***
                                                                    يا صاحبيّ ، و في حنايا أضلعي
                                                                            همّ يكظّ الروح بل يدميها
                                                                    إنّ التي نقلت حكايات الهوى
                                                                            لم يبق غير حكاية ترويها
                                                                    كمدينة دكّ القضاء صروحها
                                                                            دكّا و كفّن بالسكوت ذويها
                                                                    نعيت فريع الفجر و ارتعش الدّجى
                                                                            ما كان أهونها على ناعيها
                                                                    لا تعجبا في الغاب من نوح الصّبا
                                                                            و عويلها ، إنّ الصّبا ترثيها
                                                                    لو تسمعان نجّيها متمشّيا
                                                                            كالسّحر في الأرواح يستهويها
                                                                    لعلتما أنّ القضاء اغتالها
                                                                            كيلا تبوح بكلّ سرّ فيها