لم يهدم الموت الا هيكل الطين - إيليا أبو ماضي
لم يبرح الروض فيه الماء و الزهر
                                                                            و لم يزل في السماء الشمس و القمر
                                                                    لكنها الآن في أذهاننا صور
                                                                            شوهاء لا القلب يهواها و لا النظر
                                                                    قد انطوى حسنها لمّا انطوى الشاعر
                                                                    *
                                                                    قل للمغنّي الذي قد غصّ بالنغم
                                                                            إنّي نظيرك قد خان الكلام فمي
                                                                    و مثل ما بك بي من شدّة الألم
                                                                            أما العزاء فشيء زال كالحلم
                                                                    كيف السبيل إلى خمر و لا عاصر !
                                                                    *
                                                                    مضى الذي كان في البلوى يعزّينا
                                                                            و كان يحيي ، إذا ماتت ، أمانينا
                                                                    و يسكب السّحر أنغاما و يسقينا
                                                                            مضى " نسيب " النبيّ المصطفى فينا
                                                                    و صار جسما رميما في يد القابر
                                                                    *
                                                                    كم جاءنا في اللّيالي السود بالألق
                                                                            و بالندى من حواشي القفر و العبق
                                                                    و بالأغاني و ما من صادح لبق
                                                                            و إنّما هو سحر الحبر و الورق
                                                                    السحر باق و لكن قد مضى الساحر !
                                                                    *
                                                                    كالشمس يسترها عند المسا الغسق
                                                                            و نورها في رحاب الأرض منطلق
                                                                    تذوي الورود و يبقى بعدها العبق
                                                                            حتى لمن قطفوا منها و من سرقوا
                                                                    كم عالم غابر في عالم حاضر
                                                                    *
                                                                    إن كان مات " نسيب " كالملايين
                                                                            من العبيد الموالي و السلاطين
                                                                    فالحيّ في هذه الدنيا إلى حين
                                                                            لكن نسيب إلى كلّ الأحايين
                                                                    و إن نأى و سما للعالم الطاهر
                                                                    *
                                                                    لسوف يرجع عطرا في الرياحين
                                                                            أو نسمة تتهادى في البساتين
                                                                    أو بسمة في ثغور الخرّد العين
                                                                            فالموت ما هدّ إلاّ هيكل الطين
                                                                    لا تحزنوا فنسيب غائب حاضر