أمطار الدم - سميح القاسم
((النار فاكهة الشتاءْ))
                                                                    و يروح يفرك بارتياحٍ راحتين غليظتينْ
                                                                    و يحرّك النار الكسولةَ جوفَ موْقدها القديم
                                                                    و يعيد فوق المرّتين
                                                                    ذكر السماء
                                                                    و الله.. و الرسل الكرامِ.. و أولياءٍ صالحين
                                                                    و يهزُّ من حين لحين
                                                                    في النار.. جذع السنديان و جذعَ زيتون عتيـق
                                                                    و يضيف بنّاً للأباريق النحاس
                                                                    و يُهيلُ حَبَّ (الهَيْلِ) في حذر كريم
                                                                    ((الله.. ما أشهى النعاس
                                                                    حول المواقد في الشتاء !
                                                                    لكن.. و يُقلق صمت عينيه الدخان
                                                                    فيروح يشتمّ.. ثم يقهره السّعال
                                                                    و تقهقه النار الخبيثة.. طفلةً جذلى لعوبه
                                                                    و تَئزّ ضاحكةً شراراتٌ طروبه
                                                                    و يطقطق المزراب.. ثمّ تصيخ زوجته الحبيبة
                                                                    -قم يا أبا محمود..قد عاد الدوابّ
                                                                    و يقوم نحو الحوش.. لكن !!
                                                                    -قولي أعوذُ..تكلمي! ما لون.. ما لون المطر ؟
                                                                    و يروح يفرك مقلتيه
                                                                    -يكفي هُراءً.. إنّ في عينيك آثار الكبَر ؟
                                                                    و تلولبت خطواته.. و مع المطر
                                                                    ألقى عباءته المبللة العتيقة في ضجر
                                                                    ثم ارتمى..
                                                                    -يا موقداً رافقتَني منذ الصغر
                                                                    أتُراك تذكر ليلة الأحزان . إذ هزّ الظلام
                                                                    ناطور قريتنا ينادي الناس: هبوا يا نيام
                                                                    دَهمَ اليهود بيوتكم..
                                                                    دهم اليهود بيوتكم..
                                                                    أتُراك تذكرُ ؟.. آه .. يا ويلي على مدن الخيام !
                                                                    من يومها .. يا موقداً رافقته منذ الصغر
                                                                    من يوم ذاك الهاتف المشؤوم زاغ بِيَ البصر
                                                                    فالشمس كتلة ظلمة .. و القمح حقل من إبر
                                                                    يا عسكر الإنقاذ ، مهزوماً !
                                                                    و يا فتحاً تكلل بالظفر !
                                                                    لم تخسروا !.. لم تربحوا !.. إلا على أنقاض أيتام البشر
                                                                    من عِزوتي .. يا صانعي الأحزان ، لم يسلم أحدْ
                                                                    أبناء عمّي جُندلوا في ساحة وسط البلد
                                                                    و شقيقتي.. و بنات خالي.. آه يا موتى من الأحياء في مدن الخيام !
                                                                    ليثرثر المذياع (( في خير )) و يختلق (( السلام )) !!
                                                                    من قريتي.. يا صانعي الأحزان ، لم يَسلم أحدْ
                                                                    جيراننا.. عمال تنظيف الشوارع و الملاهي
                                                                    في الشام ، في بيروت ، في عمّان ، يعتاشون..
                                                                    لطفك يا إلهي !
                                                                    و تصيح عند الباب زوجته الحبيبه
                                                                    -قم يا أبا محمود .. قد عاد الجُباة من الضريبه
                                                                    و يصيح بعض الطارئين : افتح لنا هذي الزريبه
                                                                    أعطوا لقيصر ما لقيصر !!
                                                                    ***
                                                                    و يجالدُ الشيخ المهيب عذاب قامته المهيبه
                                                                    و تدفقت كلماته الحمراء..بركانا مفجّر
                                                                    -لم يبق ما نعطي سوى الأحقاد و الحزن المسمّم
                                                                    فخذوا ..خذوا منّا نصيب الله و الأيتام و الجرح المضرّم
                                                                    هذا صباحٌ.. سادن الأصنام فيه يُهدم
                                                                    و البعلُ.. و العزّى تُحطّم
                                                                    ***
                                                                    و تُدمدم الأمطارُ..أمطار الدم المهدوم.. في لغةٍ غريبهْ
                                                                    و يهزّ زوجته أبو محمود.. في لغة رهيبه
                                                                    -قولي أعوذُ.. تكلّمي !
                                                                    ما لون.. ما- لون المطر ؟
                                                                    -. . . . .
                                                                    ويلاه.. من لون المطر !!