أحتاجُ بعضَ الوقتِ - خميس
أحتاجُ بعضَ الوقتِ كي أنسى ،
                                                                    و آتي ذات يومٍ ، كي أقولَ :
                                                                    نسيتُ ، لا ذكراكِ تؤلمني
                                                                    ولا الماضي يؤرِّقني ،
                                                                    أقدِّرُ ، بعد تجربةٍ ،
                                                                    فوائدَ نعمةِ النسيانِ ،
                                                                    مُرِّي حيثُ شئتِ ،
                                                                    فكلُّ ذاكرتي جديدةْ" .
                                                                    ***
                                                                    أحتاجُ بعضَ الوقتِ ،
                                                                    كي آتي ، على مهلٍ ،
                                                                    أرتِّبُ بعضَ أفكاري ، و أوراقي ،
                                                                    وأبحثُ عن إجاباتٍ أكيدةْْ :
                                                                    لتساؤليِ العفويِّ ،
                                                                    عن جدوى الكلامِ ،
                                                                    و أيِّ دورٍ ،
                                                                    في زمانٍ ، كالذي نحياهُ ،
                                                                    تلعبهُ القصيدةْ ؟!
                                                                    ***
                                                                    أحتاجُ بعضَ الوقتِ ،
                                                                    كي أختارَ عنواناً ،
                                                                    يناسبُ لونَ وجهكِ ،
                                                                    و اختلافَ الحرفِ في شفتيكِ ،
                                                                    يا حوريَّتي ،
                                                                    يا آخر العنقودِ ،
                                                                    يا أحلى كلامٍ لي أنا ،
                                                                    يا بسمةَ الفجرِ الوليدةْْ .
                                                                    كلُّ القديماتِ احترقنَ ، و عُدْنَ لي
                                                                    لمَّا يئسنَ ، فلا تكوني مثلهنَّ ،
                                                                    تمهَّلي ،
                                                                    و ابقَيْ معي ، وقتاً إضافياً ،
                                                                    لتبقى كلُّ أوقاتي سعيدةْ .
                                                                    ***
                                                                    هذا أنا ، قالت ليَ الأولى ،
                                                                    انتظرتُ لكي يطالعَني صغيرٌ ،
                                                                    أو كبيرٌ ، أو غنيٌّ ، أو فقيرٌ ،
                                                                    أوْ ، وَ ، أوْ ،
                                                                    مَرُّوا ، و كانوا كلهم مستعجلينَ ،
                                                                    يُقلِّبون ، بلا اكتراثٍ ، صفحتي
                                                                    لم ينتبه أحدٌ إليَّ ،
                                                                    و بِتُّ مهملةً على ورق الجريدةْ .
                                                                    ***
                                                                    و أنا ذهبتُ إلى الأميرِ ،
                                                                    تقول أخرى ،
                                                                    كي أقولَ له : تحرَّكْ .. !
                                                                    أين مالُكَ ؟ أين نفطُكَ ؟ ،
                                                                    أنت في يدك الكثيرُ ،
                                                                    فكيف تجلسُ يا أميرُ ،
                                                                    بلا حراكٍ هكذا ؟!
                                                                    أين الضميرُ ، الحيُّ فيكَ ؟ ،
                                                                    ألم تعدْ بكَ نخوةٌ ؟
                                                                    قال ارجعي ، من حيثُ جئتِ ،
                                                                    و لا تعودي مرةً أخرى و إلاَّ ..
                                                                    سوف أجعلُ مَن وراءَكِ ،
                                                                    عبرةً للآخرينَ ، جميعهم ،
                                                                    و ضحيةً أخرى ،
                                                                    تُضافُ إلى ضحايايَ العديدة .
                                                                    ***
                                                                    و أنا رجعتُ ، تقول ثالثةٌ ،
                                                                    لتوِّي ، بعدما حاولتُ ،
                                                                    لكنْ ، دون جدوى ،
                                                                    أن أثيرَ مواطن الإحساسِ في ،
                                                                    أعصاب ، أمتنا ، الـ …
                                                                    - مجيدة …!
                                                                    ***
                                                                    أنتِ البليدة … !
                                                                    أحتاج بعضَ الوقتِ
                                                                    من أجل الوصولِ إلى محطاتي ،
                                                                    و أهدافي البعيدة ..
                                                                    ***
                                                                    أحتاج بعض الوقتِ ،
                                                                    لاستيعاب نظرةِ مَن أتوا ،
                                                                    لسماع مَن ألقى عليهم ،
                                                                    وسط دهشتهم ، نشيدَه .
                                                                    لا تسألوا عني
                                                                    ـ يقول الحرفُ ـ
                                                                    لي معنىً ،
                                                                    ومعنىً آخرٌ في بطنهِ ،
                                                                    وله إلى الأشياءِ نظرتُهُ ورؤيتُه الفريدةْ .
                                                                    ولكم حلاوةُ وقتكم ، أنتم ،
                                                                    وما ملك الخيالُ من الخيالِ ،
                                                                    ومتعةُ التفكيك والتركيبِ ،
                                                                    للجمل المفيدةْ .
                                                                    ***
                                                                    أحتاجُ بعضَ الوقتِ ،
                                                                    لاستيعابِ كيفَ يعيشُ طيرٌ ،
                                                                    لم يَعُدْ يقوى على الطيرانِ ،
                                                                    في قفصٍ لساديٍّ يُعذِّبهُ ،
                                                                    ويحرمُهُ من النوم الهنيءِ ،
                                                                    وعنه قد يُخفي بريدَه .
                                                                    ***
                                                                    كتبَ الأسيرُ لأمِّهِ :
                                                                    أشتاقُ للماضي ،
                                                                    ولو عاد الزمانُ ، لعدتُ ، يا أمي ،
                                                                    لأفعلَ ما فعلتُ ،
                                                                    فذلكم سجنٌ ، وذا سجنٌ ،
                                                                    وفي كلٍّ ، معاناتي شديدة .
                                                                    لا تحزني أبداً عليَّ ، ولا تخافي ،
                                                                    وارضِ عني دائماً ،
                                                                    ولتكثري لي من دعائك في الصلاةِ ،
                                                                    وفوِّضي لله أمركِ ،
                                                                    فهو لا ينسى عبيدهْ .
                                                                    وغداً يعود الحق يا أمي ،
                                                                    وتنتصر المقاومة العنيدةْ .
                                                                    ***
                                                                    أحتاجُ بعض الوقتِ ،
                                                                    للتَّفكير في ماذا أريدُ ؟ ،
                                                                    و في الذي ضيَّعتُه ،
                                                                    و عليَّ أن أختارَ :
                                                                    إمَّا أن أعيشَ بدونهِ ،
                                                                    أو أن أموتَ لأستعيدَه .
                                                                    مَن قال إني أستطيعُ العيشَ ،
                                                                    في الزمن البخيلِ ؟
                                                                    و كيف أنسى
                                                                    موجةً ، كانت تصاحبني
                                                                    إلى الشطِّ الجميلِ ؟ ،
                                                                    ووشوشاتِ الطيرِ ،
                                                                    في أُذُنِ النخيلِ ؟ ،
                                                                    و ريحَ يافا و الجليلِ ؟ ،
                                                                    و كيف أحيا حاضري ؟!
                                                                    و علاقتي بالأمس ما زالت وطيدةْ .
                                                                    مُتْ .. ! يا شقيُّ ،
                                                                    لأجل من تهوى ،
                                                                    على الجَنْبِ الذي تهوى ،
                                                                    و مُتْ
                                                                    في حضن من تهوى ، و عِشْ
                                                                    في جنة الفردوسِ ،
                                                                    أعماراً مديدة ..
                                                                    ***
                                                                    أحتاجُ بعض الوقتِ ،
                                                                    كي أتخيَّلَ الصورَ التي مرت ،
                                                                    قبيل الموتِ ،
                                                                    في ذهن الشهيد أو الشهيدةْ .
                                                                    و لكي أرى دنيايَ كيف تصير أخرى
                                                                    إنْ نظرتُ لها بمنظار العقيدةْ .
                                                                    يا ربِّ .. ألهمني الصوابَ ،
                                                                    و لا تكلني ، لحظةً ، لسواكَ ،
                                                                    بصِّرني ،
                                                                    و سدِّدْ لي خطايَ ،
                                                                    فأنت مولايَ الوحيدُ ، و ملجئي
                                                                    و رضاك أمنيتي الوحيدةْ .