المهاجر - خميس
هكذا الحبُّ .. حين لا تفهمينهْ .
                                                                    ينتهي ، يا حبيبتي ، لضغينةْ .
                                                                    هكذا أحمل الحقيبةَ ملأى
                                                                    بدموعي ، وذكرياتي الحزينةْ.
                                                                    هارباً منكِ نحوَ أيّ مكانٍ
                                                                    فيه أفشي ، أسرار قلبي الدفينةْ .
                                                                    وأغني اللحنَ الذي ما استطعنا
                                                                    حين كنا سويةً تلحينهْ .
                                                                    ربما تفهم الطبيعةُ حبي
                                                                    وتداوي جراح قلبي الثخينةْ .
                                                                    ربما الطيرُ من سماع أنيني
                                                                    حس بالحزن ، أو سمعتُ أنينهْ .
                                                                    ربما تمسح الورودُ دموعي
                                                                    وبحبي ، تفكِّر الياسمينةْ .
                                                                    ربما تحمل الرياحُ نشيدي
                                                                    ثم تلقيهِ فوق ظهر سفينةْ .
                                                                    تعبر البحرَ نحو أي بلادٍ
                                                                    غيرِ " هذي "
                                                                    حيث الحياةُ ثمينةْ .
                                                                    حينها .. حينها سأشعر أني
                                                                    صرتُ حراً
                                                                    وبين أيدٍ أمينةْ .!
                                                                    ****
                                                                    هكذا هاجرَ المهاجِر لمَّا
                                                                    لفظ الرحمُ ، ذاتَ يومٍ ، جَنينه .
                                                                    ركب البحرَ والمحيطاتِ كرهاً
                                                                    ودعا الله ، ربه ، أن يعينه .
                                                                    ومضى يذرع البلادَ ويُلقِي
                                                                    نظراتٍ ، شِمالَه ويمينَه .
                                                                    ما الذي جاء بي ؟
                                                                    يقولُ ، لأرضٍ
                                                                    وبلادٍ ، قد تُفقِدُ المرءَ دينَه ؟
                                                                    غيرهُ " المُرُّ والأمَرُّ "، كما في
                                                                    بعض أمثال جدتي المسكينةْ .
                                                                    أَينَها الآن ؟ آهِ كم " وحَشَتْني "
                                                                    معها " الدردشاتُ " تحت التينةْ .
                                                                    من يُريني أهلي ويأخذُ عمري ؟
                                                                    آه كم صارت الحياة لعينة .!؟
                                                                    ****
                                                                    هكذا أصبح المهاجر قلباً
                                                                    وعذابُ الأيامِ كالسكِّينةْ .
                                                                    قطَّعتهُ ، من المرور عليهِ
                                                                    وأثارت أشواقه وحنينه .
                                                                    ومضى العمرُ من يُعيد إليه ؟
                                                                    ما مضى منهُ ،
                                                                    من يعيد سِنينهْ ؟
                                                                    كلما قيلَ : " ما بلادكَ ؟ " ولَّى
                                                                    مُطرقاً رأسهُ ،
                                                                    وحكَّ جبينه ..!
                                                                    ****
                                                                    يا بلادي .. أنا الذي كم تمنَّى
                                                                    عندما فرَّ منكِ لو تُمْسكينهْ .
                                                                    عَرَكَ الموتَ والحياةَ وفيها
                                                                    غمَّس الخبزَ بالدموع السخينةْ .
                                                                    ذكِّريني ..!
                                                                    كيف الحياةُ ؟ أظلتْ
                                                                    مثل عهدي بها لديكِ ، مُهينةْ ؟
                                                                    هل تُرى صرتِ حرةً يا بلادي
                                                                    أم تزالينَ عبدةً وسجينةْ .؟
                                                                    هل لديكِ الأسيادُ مثلَ زمانٍ ،
                                                                    أنتِ من طينةٍ ، وهم من طينةْ ؟!
                                                                    كلما جاء سيدٌ دقَّ بين الشعب والأرضِ ،
                                                                    غائراً ، إسفينه .
                                                                    فإذا الناس هائمونَ حيارى
                                                                    وإذا الحال مثلما تعرفينه
                                                                    ****
                                                                    آه يا زينةَ الحياةِ ، ومالي
                                                                    وبنوني ، ليسوا بدونك زينةْ .
                                                                    لم أذقْ منذ أن هجرتك طعماً
                                                                    لهدوءٍ ، أو راحةٍ ، أو سكينةْ .
                                                                    مذنباً كنتُ ؟
                                                                    أم ترى من ضحايا
                                                                    مذنبٍ ، ظنَّ أننا لن ندينه ؟
                                                                    وله الشعبُ ، بعد ما ضاق ذرعاً
                                                                    بالذي حولهُ ، أعدَّ كمينه .!