البحث عن الذات - أحمد مطر
- أيها العصفور الجميل..أريد أن أصدح بالغناء مثلك، وأن أتنقّل بحرية مثلك.
                                                                    قال العصفور:
                                                                    -لكي تفعل كل هذا، ينبغي أن تكون عصفوراً مثلي..أأنت عصفور ؟
                                                                    - لا أدري..ما رأيك أنت ؟
                                                                    -إني أراك مخلوقاً مختلفاً . حاول أن تغني وأن تتنقل على طريقة جنسك .
                                                                    - وما هو جنسي ؟
                                                                    - إذا كنت لا تعرف ما جنسك ، فأنت، بلا ريب، حمار .
                                                                    ***
                                                                    - أيها الحمار الطيب..أريد أن ا نهق بحرية مثلك، وأن أتنقّل دون هوية أو جواز سفر، مثلك .
                                                                    قال الحمار :
                                                                    - لكي تفعل هذا..يجب أن تكون حماراً مثلي . هل أنت حمار ؟
                                                                    - ماذا تعتقد ؟
                                                                    - قل عني حماراً يا ولدي، لكن صدّقني..هيئتك لا تدلُّ على أنك حمار .
                                                                    - فماذا أكون ؟
                                                                    - إذا كنت لا تعرف ماذا تكون..فأنت أكثر حمورية مني ! لعلك بغل .
                                                                    ***
                                                                    - أيها البغل الصنديد..أريد أن أكون قوياً مثلك، لكي أستطيع أن أتحمّل كل هذا القهر،
                                                                    وأريد أن أكون بليداً مثلك، لكي لا أتألم ممّا أراه في هذا الوطن .
                                                                    قال البغل :
                                                                    - كُـنْ..مَن يمنعك ؟
                                                                    - تمنعني ذ لَّتي وشدّة طاعتي .
                                                                    - إذن أنت لست بغلاً .
                                                                    - وماذا أكون ؟
                                                                    - أعتقد أنك كلب .
                                                                    ***
                                                                    - أيها الكلب الهُمام..أريد أن ا طلق عقيرتي بالنباح مثلك، وأن اعقر مَن يُغضبني مثلك .
                                                                    - هل أنت كلب ؟
                                                                    - لا أدري..طول عمري أسمع المسئولين ينادونني بهذا الاسم، لكنني لا أستطيع النباح أو العقر .
                                                                    - لماذا لا تستطيع ؟
                                                                    - لا أملك الشجاعة لذلك..إنهم هم الذين يبادرون إلى عقري دائماً .
                                                                    - ما دمت لا تملك الشجاعة فأنت لست كلباً .
                                                                    - إذَن فماذا أكون ؟
                                                                    - هذا ليس شغلي..إ عرف نفسك بنفسك..قم وابحث عن ذاتك .
                                                                    - بحثت كثيراً دون جدوى .
                                                                    - ما دمتَ تافهاً إلى هذا الحد..فلا بُدَّ أنك من جنس زَبَد البحر .
                                                                    ***
                                                                    - أيُّها البحر العظيم..إنني تافه إلى هذا الحد..إ نفِني من هذه الأرض أيها البحر العظيم .
                                                                    إ حملني فوق ظهرك واقذفني بعيداً كما تقذف الزَّبَد .
                                                                    قال البحر :
                                                                    - أأنت زَبَد ؟
                                                                    - لا أدري..ماذا تعتقد ؟
                                                                    - لحظةً واحدة..د عني أبسط موجتي لكي أستطيع أن أراك في مرآتها.. هـه..حسناً، أدنُ قليلاً .
                                                                    أ و و وه..ا للعنة..أنت مواطن عربي !
                                                                    - وما العمل ؟
                                                                    - تسألني ما العمل ؟! أنت إذن مواطن عربي جداً . بصراحة..لو كنت مكانك لانتحرت .
                                                                    - إ بلعني، إذن، أيها البحر العظيم .
                                                                    - آسف..لا أستطيع هضم مواطن مثلك .
                                                                    - كيف أنتحر إذن ؟
                                                                    - أسهل طريقة هي أن تضع إصبعك في مجرى الكهرباء .
                                                                    - ليس في بيتي كهرباء .
                                                                    - ألقِ بنفسك من فوق بيتك .
                                                                    - وهل أموت إذا ألقيت بنفسي من فوق الرصيف ؟!
                                                                    - مشرَّد إلى هذه الدرجة ؟! لماذا لا تشنق نفسك ؟
                                                                    - ومن يعطيني ثمن الحبل ؟
                                                                    - لا تملك حتى حبلاً ؟ أخنق نفسك بثيابك .
                                                                    - ألا تراني عارياً أيها البحر العظيم ؟!
                                                                    - إ سمع..لم تبقَ إلاّ طريقة واحدة . إنها طريقة مجانية وسهلة، لكنها ستجعل انتحارك مُدويّاً .
                                                                    - أرجوك أيها البحر العظيم..قل لي بسرعة..ما هي هذه الطريقة ؟
                                                                    - إ بقَ حَيّـا!