من طينة أخرى - محمد موفق وهبه
رَوَتِ الجَـدّاتُ قِدمـاً أنَّ بَحـراً
                                                                    مِن وراءِ السَّدِّ في الأرضِ المَنيعَهْ
                                                                    كانَ يَحوي بَيـنَ مَخلوقاتِهِ أَجمَلَ
                                                                    خَلـقِ اللهِ فـي الدُّنيـا البَديعَـهْ
                                                                    •
                                                                    فَتَيـاتٍ كَنِسـاءِ الأرضِ خَلقـاً
                                                                    بَـل تَفَوَّقـنَ بَهـاءً وَ صِفـاتْ
                                                                    يَتَنَفَّسـنَ كَـما الأسـماكُ مـاءً
                                                                    وَبِـدونِ المـاءِ يَفقِـدنَ الحَيـاةْ
                                                                    •
                                                                    كُـلُّ صَيّـادٍ رَآهُـنّ هَـوى في
                                                                    هُـوَّةِ العِشـقِ تَصَيَّـدنَ فُـؤادَهْ
                                                                    بِشِـباكٍ في عُيـونٍ مِن فُتـونِ
                                                                    السِّـحر يَصطَدنَ بِها دونَ إرادَهْ
                                                                    •
                                                                    حذَّرَ النّاسُ مِـنَ الخَوفِ ذَويهِـم
                                                                    أَن يَرودوا ذَلِـكَ البَحـرَ العَجيبا
                                                                    أَشـفقوا مِـن فِتنَـةِ الحورِ بَناتِ
                                                                    البَحرِ وَ الحُسنِ الذي يُردي القُلوبا
                                                                    •
                                                                    فَالـذي يَلمَـحُ إِحداهُـنَّ يبقـى
                                                                    تائِـهَ اللُّبِّ عَلـى الشَّـطِّ يَهيـمْ
                                                                    لَم يَعُد ذا هِمَّـةٍ تُرجِعُـهُ للأهـلِ
                                                                    كـي يَبـرَأَ مـن حُـبٍّ عقيـمْ
                                                                    •
                                                                    يَقصدُ البَحرَ مِنَ الإشـراقِ حَتّى
                                                                    تَردُمَ الظُّلمَـةُ وَرداتِ الغُـروبِ
                                                                    يَرقُبُ المـاءَ بِعَينَيـنِ تَروحـانِ
                                                                    تَجيئان مـَعَ المَـوجِ الطَّـروبِ
                                                                    •
                                                                    عَلَّ حورِيَّتَهُ تَصعَـدُ مِ الأَعمـاقِ
                                                                    للسَّـطـحِ فَيَحظـى بِابتِسـامَـهْ
                                                                    أَو بِإيمـاءَةِ كَـفٍّ أَو بِنَظـراتِ
                                                                    اشـتِيـاقٍ آهِ ما أقسـى هُيامَـه
                                                                    •
                                                                    هِـيَ إِمّـا خَرَجَـتْ تَبغي لِقـاهُ
                                                                    لَقِيَـتْ مَصرَعَهـا بَيـنَ يَدَيـهِ
                                                                    لَيتَ شِـعري هَلْ جَنَتْ ذَنباً يَـداهُ
                                                                    أَم جَنى الحُـبُّ عَلَيـها وَ عَلَيـهِ
                                                                    •
                                                                    وَهـوَ إِنْ غَاصَ اشـتِياقاً لِلِقاهـا
                                                                    ضَمَّهُ زَندُ الـرَّدى قَبـلَ يَدَيـها
                                                                    لَيتَ شِـعري هَلْ جَنَتْ ذَنباً يَداها
                                                                    أَم جَنى الحُـبُّ عَلَيـهِ وَ عَلَيهـا
                                                                    •
                                                                    فَـهوَ لا يَسـطيعُ أَن يَبرَحَ مَهمـا
                                                                    هَـزَّهُ الشَّـوقُ إِلَيـها وَ الهُيـامْ
                                                                    وَهيَ إن جاءَت يَـكُن ذَلِكَ وَهْمـا
                                                                    حُلُماً طَيـفَ خَيـالٍ في المَنـامْ
                                                                    •
                                                                    أَيُّ جَدوى لِمُحِـبٍّ مِـنْ غَـرامْ
                                                                    حَصَدَ الآلامَ وَ الأحـزانَ غَرسـا
                                                                    فَطَـمَ القَلـبَ وَليـداً بِالحِـمـامْ
                                                                    لَم يَعِش حتّى قَضى حُزناً وَيَأسـا
                                                                    •
                                                                    آهِ.. ما أَقسـى تَباريـحَ الغَـرامْ
                                                                    إن يِكُـن مِن طينَةٍ أُخرى الحَبيبْ
                                                                    وَلَـهٌ يَدفَـعُ لِلمَـوتِ الـزُّؤامْ
                                                                    فيـهِ لا يُجـدي دَواءٌ أَو طَبيـبْ
                                                                    .
                                                                    1999