آنَ له أن ينام - بيان الصفدي
- في رثاء محمود درويش -
                                                                    *
                                                                    على قـَدْر ِعينيكَ تأتي القصيدة ُ باكية ً
                                                                    ثم تطلِق سربَ حمامْ
                                                                    وتلقي الكلامَ على العشب ِ حتى يضيءَ
                                                                    فتغمره بالندى والورود ِ
                                                                    لنا
                                                                    .. لفلسطين َ
                                                                    .. للمتعبين َ
                                                                    .. وللحالمين َ
                                                                    اَلذين يجيئون من موتنا
                                                                    أنت علـَّمتنا كيف تحنو الحروفُ على بعضها
                                                                    وتصيرُ غمامْ
                                                                    تجرُّ وراءَ خـُطاها طيورَ الكلامْ
                                                                    على قدر عينيك نحنو على وطن ٍ من دم ٍ
                                                                    .. ونغـُذ ُّ الخُطا
                                                                    .. ونرى في الظلامْ !
                                                                    ***
                                                                    على قدر عينيك "محمود ُ"كان المساء يصلـِّي
                                                                    لعلك آخرُ ما في فلسطينَ من صرخة ٍ
                                                                    تتردَّد عبر الفِجاج ِ
                                                                    وترفع مصباحها المتدلـِّي
                                                                    فقل لي؟
                                                                    لماذا تركت الحصان وحيداً؟
                                                                    لماذا أدرتَ القصيدة َ لهْ؟
                                                                    أحاولتَ أن تقتلـَهْ؟
                                                                    ***
                                                                    على قدر شِعرك تأتي فلسطينُ مزهوَّة ً
                                                                    بثياب القصائد ِ
                                                                    قد طرَّزَتـْك على ثوبها
                                                                    حَمَلتـْك كمفتاح بيت تعلـِّقه في الضفيرهْ
                                                                    أحاطتك بالراحتين ِ
                                                                    كأنك شعلتـُها في الثواني الأخيرهْ
                                                                    تقول: البلاد بلاديَ
                                                                    ليست تراباً.. وليست حجرْ
                                                                    ولا ناقلاتِ الجنود ِ..
                                                                    .. ولا صافراتِ الخطرْ
                                                                    بلادي حكايات أمي
                                                                    وخبزُ وقهوة ُ أمي
                                                                    بلادي النوافيرُ
                                                                    وهْي العصافيرُ
                                                                    أعشاشُها.. والشجرْ
                                                                    بلادي عيونُ بَنِيها
                                                                    ورغبة ُ أبنائها أن يَشِبُّوا
                                                                    ورغبتهم أن يُحِبُّوا
                                                                    وسحرُ الجمال الذي يكسر القلبَ
                                                                    في وردة ٍ أو قمرْ
                                                                    بلادي الجمال الذي يملأ القلبَ
                                                                    حدَّ البكاءْ
                                                                    وحرية ُ الورد أن يتفتـَّحَ في الأرض ِ
                                                                    .. أو في النساءْ
                                                                    وحرية البحر أن يَبعثَ الموجَ كيف يشاءْ
                                                                    وحرية الطفل أن يقطِف الغيمَ
                                                                    .. ثم يصفـِّفه فوق سور الفِناءْ
                                                                    بلادي طبيعية كمرور سنونوَّة في المساءْ
                                                                    كحبل غسيل ٍ
                                                                    كضحكة طفل ٍ
                                                                    كمدفأة في الشتاءْ
                                                                    كعاشقة ترسم السهمَ في القلب ِ
                                                                    ثم تضمُّ إليها السماءْ
                                                                    ***
                                                                    ... وقد كنتَ تحلـُم حلماً طويلاً عسيرْ
                                                                    في بلاد تناهشها كل غاز ٍ
                                                                    وكلُّ أمير أجيرْ
                                                                    وكلُّ يسار أسير ٍ ضريرْ
                                                                    وكلُّ يمين أمين على شاهدات القبورْ
                                                                    وها أنت يا صاحبي بين هذا الحُطام ِ
                                                                    وهذا الرُّكام ِ
                                                                    تروِّي ورودَك بالدم والدمع ِ
                                                                    تتركنا.. و تطيرْ!
                                                                    ***
                                                                    الحقيقة دوماً على قلق ٍ
                                                                    فلمن سوف تحكي؟
                                                                    لمن سوف تبكي؟
                                                                    لقد خيـَّم الليلُ
                                                                    يا "زفرة َ العربيِّ الأخيرة َ"
                                                                    أنت النداءُ الأخير إلى عرب ٍ
                                                                    - حسْب وصف "ابن خلدون َ"-
                                                                    ... يرتجزونَ
                                                                    وينتظرون الضحية َ
                                                                    قادمة ً في القطار الأخيرْ
                                                                    وأنت الغزالة والريحُ والنايُ
                                                                    أنت سنونوُّة الكلمات الطليقة ِ
                                                                    أنت البراري.. اَلتلال .. اَلجبالُ
                                                                    اَلشواطىءُ
                                                                    أنت الفيافي.. اَلمنافي
                                                                    ..وأنت المسيح الصغيرْ
                                                                    ***
                                                                    على الأرض ليس السلامْ
                                                                    على الأرض هذا الحُطامْ
                                                                    قياصرة ٌ.. وأباطرة ٌ
                                                                    .. وعساكرُ.. أو عسس ٌ
                                                                    عبْرَ هذا المتاهْ
                                                                    كلـُّهم يا إلهي إلهْ!
                                                                    "إلهي لماذا تخلـَّيْتَ عني؟"
                                                                    إلهي أعِنـِّي
                                                                    وخـُذ ْ بعضَ حزني
                                                                    فإني شريدُكَ
                                                                    أو قلْ طريدُكَ
                                                                    خذني
                                                                    فإني جريحٌ طريح ٌ
                                                                    وقد وهَنَ العظمُ منـِّي
                                                                    خذِ القلب َ
                                                                    ما عاد في وسعه أن يُجالِدَ أكثرَ
                                                                    أو أن يواصلَ هذا الكلامْ
                                                                    وما عاد في وسْعه أن يَدقَّ
                                                                    وآنَ له أن ينامْ