نصف ليلة في الربع الخالي - بيان الصفدي
إلى ناجي العلي
                                                                    *
                                                                    ستقول لي : أين القصيدة ُ؟
                                                                    غطِّها برفيف روحك يا صديقي
                                                                    غطِّها بدم يسيلُ
                                                                    و لا يراه العابرونَ
                                                                    فغطِّها بالعشب مخضرَّاً على الكلمات ِ
                                                                    بالكلمات منقوشاً عليها الدمعُ
                                                                    بالدمع النبيل على القصيدة ِ
                                                                    و هي تخطو نحو أسراب من الشهداءِ
                                                                    أجنحةً مكسرة ً
                                                                    إذاً . .
                                                                    في الشعر من يحمي القصيدةَ
                                                                    من سُعار الزُّخرف اللُّغويَّ
                                                                    حتى تحتمي بجحيمها الأرضيِّ ؟
                                                                    من يحمي القصيدة من براثنها الجميلة ِ
                                                                    و هي تقبض روحنا و تطيرُ
                                                                    فوق زرائب الألفاظ ِ
                                                                    عبر التيه في هذا المدى ؟ !
                                                                    * * *
                                                                    ذهب الذين أحبُّهم ،
                                                                    و بقيت في الصحراء أرقب غيمة ً . .
                                                                    أو قطرة ً!
                                                                    إذاً . . لم تُعطِ روحكَ
                                                                    غير هذا الأحمر الدمويِّ . .
                                                                    غير الحب مغموساً بماء النار ِ
                                                                    خفَّف خطوك المجنون ِ
                                                                    هذي الأرض أشواك على قدميكَ
                                                                    وسِّع خطوة ً . .
                                                                    أو صرخة ً . .
                                                                    في ربعك الخالي من الأحياءِ
                                                                    أبحر في المتاهة ِ
                                                                    ليس غير الحلم ِ
                                                                    يحضنه الذين أحبُّهم
                                                                    و تحبهم . .
                                                                    هل قلتَ أن الحلم تبلغه يداكَ ؟
                                                                    خُطاك تعتصر الحجارةَ َ
                                                                    كي تبرعم وردة ً لنداكَ
                                                                    و هو يبلـُّها
                                                                    و تبوح بالجمل الأخيرة ِ
                                                                    فوق حبر اللوحة الأولى
                                                                    إذاً . . عيناك أغمضتا
                                                                    و أطبقا على القدس البعيدة ِ
                                                                    هاقد اكتملت خطوط دم ٍ
                                                                    يسحُّ على البياض ِ
                                                                    و لا يراه سوى الذين تدثــَّروا بالموت ِ
                                                                    كي يهبوا الحياةَ َ
                                                                    و لا يراه سوى الذين أحبُّهم
                                                                    * * *
                                                                    ذهبوا إلى المنفى البعيد ِ
                                                                    إلى حدود النار ِ
                                                                    هل نبكي معاً ؟
                                                                    هل نستضيء بعتمة ٍ؟
                                                                    كم كنت تحلُم أيها الولد الشقيُّ !
                                                                    و كم صنعتَ على الجريدةِ موطناً
                                                                    و بنيهِ! . .
                                                                    جسراً ضائعاً نحو الطفولةِ . .
                                                                    حائطاً تبكي عليه إذا انفردتَ . .
                                                                    لكي تصون الحلمَ
                                                                    يا أنت البعيدُ . .
                                                                    و كن كفــَّـاً مدمَّى . .
                                                                    خابطاً باب المدى المسدودَ . .
                                                                    كن صخراً . . و شعراً
                                                                    غارقاً بسمائهِ و دمائهِ
                                                                    كن لوحة ً منسية في الطين ِ
                                                                    سخريةً بطعم الدمع ِ . .
                                                                    كن زيتونة ً . .
                                                                    ملحاً . .
                                                                    جدائلَ برتقال ترتمي
                                                                    في حضن عرَّاف الفجيعة ِ
                                                                    وهو يروي قصة ً
                                                                    . . و دمٌ على الكلمات ِ . .
                                                                    فوق الناي . .
                                                                    فوق بياضك المنذور للآتي
                                                                    الذي يأتي و يرحل دائماً !
                                                                    * * *
                                                                    لكأن بينك و الرحيل ِ
                                                                    حكايةً لا تنتهي
                                                                    و الشعر بَريٌّ
                                                                    يسافر حافياً خلف القصيدة ِ
                                                                    و القصيدةُ مثل أمٍّ لا تكفُّ عن الحنين ِ
                                                                    حروفها أولادُها
                                                                    عيناكَ أطبقتا على الرسم الأخير ِ
                                                                    و لا يراهُ سوى الذين تحبهم
                                                                    وأحبهم
                                                                    أنقول للشهداء ِ:
                                                                    عذراً . . سامحونا . .
                                                                    أنتم الخطأ الوحيدُ ؟ !
                                                                    قصائد الشعراء ضلـَّت دربها يوماً
                                                                    فقالت فيكمُ شعراً
                                                                    و غنـَّاكم مغنٍّ
                                                                    أوهمته الناس بالمعنى . .
                                                                    حناجر هاتفينَ
                                                                    تسلـَّلت خطأً إليكم
                                                                    سامحونا . .
                                                                    نحن أخطأنا
                                                                    الشهادة سَقطة كبرى
                                                                    إذاً . . فلنعتذرْ عنها
                                                                    و ناموا حيث أنتم
                                                                    أنت يا ناجي انسحبْ للظلِّ
                                                                    و اسحب (( حنظله ْ ))
                                                                    و اسكب نبيذاً فوق هذا الجرح ِ
                                                                    أو شمبانيا للمحتفين بنصرِهم
                                                                    في قبرهم
                                                                    حتى تتمَّ المهزله ْ