أصيل القرية - عبدالله البردوني
تدلّى كمزرعة من شرر
                                                                            معلقة ، بذيول القمر
                                                                    وحسام ، كغاب من الياسمين ،
                                                                            تندّى على ظلّه واستعر
                                                                    فمالت تودّعه ، ربوة
                                                                            وتهتز ، كاللهب المحتضر
                                                                    كحسناء عرّى العتاب الخجول ،
                                                                            هواها وبالبسمات استتر
                                                                    تعابثه ، وتباكى الطيور
                                                                            وتستعبر الرابيات الأخر
                                                                    ومدّت له القرية الهينمات
                                                                            كلغو الرؤى كاصطخاب (التّتر)
                                                                    وأعلت له ، جوفة من دخان
                                                                            ومعزوفة ، من خوار البقر
                                                                    فرفّ ، كأجنحة ، من نضّار
                                                                            كأردية ، من دموع النهر
                                                                    وعرّاء ، صحو المدى ، فارتدى
                                                                            لهيب ذوائبه ، واتّزر
                                                                    ***
                                                                    تهادي ، يجمع من كلّ أفق
                                                                            صدى عمره ، ولهاث البشر
                                                                    ويحبو كموج يمد … يديه
                                                                            إلى شاطىء من مزاح القدر
                                                                    وأرسى على كتفيّ شاهق
                                                                            كأرجوحة ، من ذهول الفكر
                                                                    يلملم من جمرتي مقلتيه
                                                                            حبالا ، يخيط شراع السّفر
                                                                    ويجبل آثار أقدامه
                                                                            أباريق حب ، ونجوى سهر
                                                                    واغضى ، فمنادى الرواح الرعاة ،
                                                                            فعادوا اثنى ، وتوالو ا زمر
                                                                    وناشت خطاهم هدوء التراب
                                                                            ورعش الكلا ، وسكون الحجر
                                                                    ونقّر خطو القطيع الحصى
                                                                            كما ينقر السقف وقع المطر
                                                                    وشدّ الرعاة ، إلى الراعيات
                                                                            شباب المنى ، وملاهي الصغر
                                                                    وكانت (غزال) غناء الرعاة
                                                                            وصيف الربى ، وشذا المنحدر
                                                                    مآرزها ، من رنوّ الحقول
                                                                            إليها ، ومن قبلات النّهر
                                                                    وقامتها ، من عمود الصبّاح
                                                                            ذوائبها ، من خيوط السّحر
                                                                    ***
                                                                    وكانت تماشي (مثنّى صلاح)
                                                                            وتقرأ في وجه (تقوى) الأثر
                                                                    ولمّا دنا الحيّ ضجّت (سعاد)
                                                                            أضاع (حسين) الخروف الأغر
                                                                    فمن من رآه ؟ تعالوا نعد
                                                                            مواشينا ، قبل تيه النظر
                                                                    ولما أتمّوا ، حكت (وردة)
                                                                            و(فرحان) عن كل واد خبر
                                                                    فأخبر : أين ذوى مرتع ؟
                                                                            وأين زكا مرتع وازدهر؟
                                                                    وفي أي شعب ، تمدّ الذئاب
                                                                            حلاقمها ، من وراء الحذر
                                                                    ***
                                                                    ومرّوا كحقل ، تلم الريّاح
                                                                            وريقاته ، وتميل الثّمر
                                                                    كقيثار هاو ، دؤوب ، يلحّ
                                                                            على وتر ، ويدمّي وتر
                                                                    وأدمى الوداع ، نداء العيون
                                                                            ولوّن ظلّ الغروب الخفر
                                                                    ***
                                                                    وحيّا فم القرية العائدين
                                                                            ونادى ممرّ ، ولبّى ممر
                                                                    وأخفى (عليا) مضيق طويل
                                                                            ووراى (ثقى) شارع مختصر
                                                                    ودارت ثوان ، فران السكون
                                                                            ينوع ، بالذكريات السّمر
                                                                    ففي مسمر ، ذكريات (مريم)
                                                                            أباها ، وناحت كيوم انتحر
                                                                    وفيمسمر بث ( سعد) أباه
                                                                            شجون الزواج ، وأغضى البصر
                                                                    وثرثر في كل بيت حديث
                                                                            وأحزن كلّ حديث وسر
                                                                    (فأم ثريا) تفوق الرجال
                                                                            وتوجى أمرّ … وأحلى الذكر
                                                                    فكيف تجلّت مساء الزفاف
                                                                            وفي الصبح ، مات أبوها الأبر
                                                                    (وأم علي) تربّي الدّجاج
                                                                            تكدح خلف ارتعاش الكبر
                                                                    ترقع أسمال أطفالها
                                                                            وتحسو عروق يديها … الإبر
                                                                    (وحسّان) خان غرور البنات
                                                                            به ، وانتقى : أمّ إحدى عشر
                                                                    وباع (رجا) اخته في ((الرياض))
                                                                            بألفين ، للتاجر المعتبر
                                                                    ومات (ابن سرحان) يوما وعاد
                                                                            يخبر جيرانه ، عن سقر
                                                                    وأصغى السكون ، إلى كل بيت
                                                                            كحيران ، ينوى وينسى الوطر
                                                                    وأغفى رفاق الهوى والقطيع
                                                                            على موعد الملتقى ، المنتظر
                                                                    وليلتهم ذكريات وحلم …
                                                                            كلمع الندى ، في اخضرار الشجر
                                                                    طيوف ، كما حثّ سرب الحمام
                                                                            قوادمه ، خلف سرب عبر
                                                                    وكلّت رياح ،وجنّت رياح
                                                                            ونجم تأنّى ، ونجم طفر
                                                                    وفتّش عن قدميه الدّجى
                                                                            ودبّ ، كأعمى يجوس الحفر
                                                                    فأذكى هنا جمرات السهاد
                                                                            وأعطى هناك الرؤى والخدر
                                                                    وأفنى هزيعا وأدهى هزيعا
                                                                            فعاد الأصيل المولّي سحر