كلّنا في انتظار ميلاد الفجر - عبدالله البردوني
يا رفاق السرى إلى أين نسري
                                                                            و إلى أين نحن نجري و نجري ؟
                                                                    دربنا غائم يغطّيه ليل
                                                                            فكأنّا نسير في جوف قبر
                                                                    دربنا وحشة و شوك ووحل
                                                                            و سباع حيرى ؛ و حيّات قفر
                                                                    و متاه تحيّر الصمت فيه
                                                                            حيرة الشكّ في ظنون " المعرّي "
                                                                    و الرؤى تنبري كظمآن تهوي
                                                                            حول أشواقه خيالات نهر
                                                                    و الدجى حولنا كمشنقة العمر
                                                                            كوادي الشقا : كخيمات شرّ
                                                                    راقد في الطريق يتّسد الصمـ
                                                                            ت ؛ و يومي بألف ناب ، و ظفر
                                                                    ذابل و النجوم في قبضتيه
                                                                            ذابلات كالغيد في كفّ أسر
                                                                    ***
                                                                    يا رفاق السرى إلى كم نوالي
                                                                            خطونا في الدجى إلى لا مقرّ ؟
                                                                    أقلق اللّيل و السكون خطانا
                                                                            و خضبنا بجرحنا كلّ صخر
                                                                    و غرسنا هذا الطريق جراحا
                                                                            واجتنينا الثمار حبّات جمر
                                                                    فإلى كم نسير فوق دمانا ؟
                                                                            أين أين القرار هل نحن ندري ؟
                                                                    كلّنا في السرى حيارى و لكن
                                                                            كلّنا في انتظار ميلاد فجر
                                                                    كلّنا في انتظار فجر حبيب
                                                                            و انتظار الحبيب بصبى و يغري
                                                                    يا رفاقي لنا مع الفجر وعد
                                                                            ليت شعري متى يفي ؟ ليت شعري !
                                                                    ***
                                                                    و هنا أدرك الفتور قوانا
                                                                            و انتهى الزاد و انتهى كلّ ذخر
                                                                    و مضينا كالطّيف نصغي فهزّت
                                                                            سمعنا نغمة كرنّات تبر
                                                                    فجرحنا السكون حتّى بلغنا
                                                                            بيت حسنا يدعونها أخت عمرو
                                                                    فقرتنا لحما و حسنا شهيّا
                                                                            و حديثا كأنّه ذوب سحر
                                                                    و ذهبنا و في دمانا حنين
                                                                            جائع ينخر الضلوع و يفري
                                                                    و طغى حولنا من السفح موج
                                                                            من ضجيج كأنّه هول حشر
                                                                    فإذا قرية تدير ضرابا
                                                                            و تريش السهام حينا و تبري
                                                                    فاقتربنا نستكشف الأمر لكن
                                                                            أيّ كشف نحسبه أيّ أمر
                                                                    أعين تقذف اللّظى و نفوس
                                                                            مثخنات تنسلّ من كلّ صدر
                                                                    و جسوم حمر تنوش جسوما
                                                                            في ثياب من الجراحات حمر
                                                                    و تهزّ الخناجر الحمر ... أيد
                                                                            ترتمي كالنسور في كلّ نحر
                                                                    وانطفت حومة الوغى فاندفعنا
                                                                            في سرانا نلفّ ذعرا بذعر
                                                                    ورحلنا و اللّيل في قبضة الأفـ
                                                                            ق كتاب يروي أساطير دهر
                                                                    و شددنا جراحنا وانطلقنا
                                                                            و كأنّا نشقّ تيّار ... بحر
                                                                    ***
                                                                    هوّم الطيف حولنا فالتقينا
                                                                            نحوه كالتفات سفر لسفر
                                                                    و سمعنا همسا من الأمس يروي
                                                                            قصّة الفاتحين من أهل " بدر "
                                                                    فنصتنا للطّيف إنصات صبّ
                                                                            لمحت يقصّ قصّة هجر
                                                                    و سرى في السكون صوت ينادي
                                                                            يا رفاق السرى و أحباب عمري
                                                                    يا رفاقي تثاءب الشرق و انسلّت
                                                                            عذاري الصباح من كلّ خدر
                                                                    و العصافير تنفض الريش في الوكر
                                                                            و تنفي النعاس من كلّ وكر
                                                                    و كأنّ الشعاع أيد من الورد
                                                                            المندّى . تهزّ أهداب زهر
                                                                    و كأنّ الغصون أيدي الندامى
                                                                            و شفاه الزهور أكواب خمر
                                                                    و مضى سيرنا و قافلة الفجـ
                                                                            ر تصبّ الهدى على كلّ شبر
                                                                    فإذا دربنا رياض تغنّي
                                                                            في السنا و الهوى زجاجات عطر
                                                                    نحن في جدول من النور يجري
                                                                            و خطانا تدري إلى أين تجري .