يوم المفاجأة - عبدالله البردوني
جمال ! أيأتي ؟ أجل ! ربّما
                                                                            و تستفسر الأمنيات السما
                                                                    أيأتي ؟ و يرنو السؤال الكبير
                                                                            يزغرد في مقلتيه الظما
                                                                    فيخبره الحلم إخبار طفل
                                                                            يروض على اسم أبيه الفما
                                                                    ***
                                                                    و في أيّ حين ؟ و صاح البشير
                                                                            فجاءت إليه الذرى عوّما
                                                                    و أرخى عليه الضحى صحوة
                                                                            و دلّى سواعده سلّما
                                                                    و حيّاه شعب رأى في الشروق
                                                                            جني الحلم من قبل أن يحلما
                                                                    فأيّ مفاجأة باغتته ...
                                                                            كما تفجأ الفرحة الأيّما ؟
                                                                    فماد ربيع على ساعديه
                                                                            و فجر على مقلتيه ارتمى
                                                                    و لبّى الهتاف المدوّي هناك
                                                                            هتافا هنا . و هنا مفعما
                                                                    يلبّي و يدعو فيطغى الضجيج
                                                                            و يعلو الصدى يعزف الأنجما
                                                                    تثير الجماهير في جوّه
                                                                            من الشوق أجنحة حوّما
                                                                    و تسأل في وجهه موعدا
                                                                            خصيبا و تستعجل الموسما
                                                                    و تحدو غدا فوق ظنّ لاالظنون
                                                                            و أوسع من أمنيات الحمى
                                                                    ***
                                                                    جمال ! فكلّ طريق فم
                                                                            يحيّي و أيد تبث الزهر
                                                                    ترامت إليه القرى و الكهوف
                                                                            تولّي جموع و تأتي زمر
                                                                    و هزّت إليه حشود الحسان
                                                                            مناديل من ضحكات القمر
                                                                    ولاقته "صنعاء " لقيا الصغار
                                                                            أبا عاد تحت لواء الظفر
                                                                    تلامسه ببنان اليقين
                                                                            و تغمس فيه ارتياب البصر
                                                                    و تهمس في ضخب البشريّات
                                                                            أهذا هو القائد المنتظر ؟
                                                                    أرى خلف بسمته " خالدا "
                                                                            و ألمح في وجنتيه " عمر "
                                                                    و تدنو إليه تناغي المنى
                                                                            و تشتمّ في ناظريه الفكر
                                                                    ***
                                                                    أهذا الذي وسعت نفسه
                                                                            هوى قومه و هموم البشر ؟
                                                                    أطلّ فأومى انتظار الحقول
                                                                            و ماج الحصى و ارأبّ الحجر
                                                                    و هنأت الربوة المنحنى
                                                                            و بشرت النسمة المنحدر
                                                                    و أخبر " صرواح " عنه الجبال
                                                                            فأورق في كلّ نجم خبر
                                                                    و أشرق في كلّ صخر مصيف
                                                                            يعنقد في كلّ جوّ ثمر
                                                                    ***
                                                                    و أعلنت زنود الربى وحده
                                                                            سماويّة الأمّ طهر الأب
                                                                    نمتها المروءات في " مأرب "
                                                                            و أرضعها الوحي في " يثرب "
                                                                    و غنى على صدرها شاعر
                                                                            و صلّى على منكبيها نبي
                                                                    وردّدها الشرق أغرودة
                                                                            فعبّ صداها فم المغرب
                                                                    ***
                                                                    و دارت بها الشمس من موسم
                                                                            سخيّ إلى موسم أطيب
                                                                    إلى أن غرتها سيول التتار
                                                                            ورنّحها العاصف الأجنبي
                                                                    تهاوت وراء ضجيج الفراغ
                                                                            تفتّش عن أهلها الغيّب
                                                                    و تبحث عن دارها في الطيوف
                                                                            و تستنبيء اللّيل عن كوكب
                                                                    و تحلم أجفانها بالكرى
                                                                            فتخفق كالطائر المتعب
                                                                    هناك جثث في اشتياق المعاد
                                                                            تحدّق كالموثق المغضب
                                                                    فتلحظ خلف امتداد السنين
                                                                            على زرقة " النيل " وعدا صبي
                                                                    تمرّ عليه خيالات " مصر "
                                                                            مرور الغواني على الأعزب
                                                                    رأت فمه برعما لا يبوح
                                                                            و نسيان في قلبه مختبي
                                                                    و كان انتظارا فحنّت إليه
                                                                            حنين الوليد إلى المرضعة
                                                                    و دارت نجوم و عادت نجوم
                                                                            و أهدابها ترتجي مطلعة
                                                                    و كانت تواعدها الأمسيات
                                                                            كما تعد البيدر المزرعة
                                                                    و لاقته يوما و كان اسمه
                                                                            " جمالا " فلاقت صباها معه
                                                                    ***
                                                                    هنا لاقت الوحدة ابنا يسير
                                                                            فتمشي الدنا خلفه طيّعه
                                                                    و مهدا صبورا سقاها النضال
                                                                            فأهدت إلى المعتدي مصرعة
                                                                    غذاها دم " النيل " خصب البقاء
                                                                            و لقّنها الفكرة المبدعة
                                                                    و علّمها من عطايا حشاه
                                                                            و كفّيه أن تبذل المنفعة
                                                                    و من جوّه رفرفات الحمام
                                                                            و من رمله طفرة الزّوبعه
                                                                    و قطّرها في خدود النجوم
                                                                            صلاة و أغنية ممتعو
                                                                    و أطلع للعرب أقباسها
                                                                            شموسا بصحو المنى مشبعة
                                                                    هناك أفقنا على وحدة
                                                                            يمدّ الخلود لها أذرعة
                                                                    فصارت مبادئنا في السلام
                                                                            و ألوية النصر في المعمعه