عودة القائد - عبدالله البردوني
لمن الجموع تموج موج الأبحر
                                                                            و تضجّ بين مهلّل و مكبّر
                                                                    لمن الهتاف يشقّ أجواز الفضا
                                                                            و يهزّ أعطاف النهار المسفر
                                                                    و لمن تجاوبت المدافع و انبرت
                                                                            صيحاتها كضجيج يوم المحشر
                                                                    لمن الطبول تثرثر الخفقات في
                                                                            ترنيمها المتهدّج المتكسّر
                                                                    و لمن زغاريد الحسان كأنّها
                                                                            خفقات أوتار ورعشة مزهر
                                                                    و لمن تفيض حماجر الأبواق من
                                                                            أعماقها بترنّم المستبشر
                                                                    للقائد الأعلى الموشّح بالسنا
                                                                            علم الفتوح و قاهر المستعمر
                                                                    لوليّ " عهد الملك " بنّاء الحمى
                                                                            حلم البطولة و الطموح العبقري
                                                                    أهلا " وليّ العهد " فانزل مثلما
                                                                            نزل الشعاع مباسم الزهر الطريّ
                                                                    أشرقت في مقل الجزيرة كالضّحا
                                                                            كالصبح كالسحر النديّ المقمر
                                                                    و على جبينك غار أكرم فاتح
                                                                            و على محيّاك ابتسام نظفّر
                                                                    لمّا طلعت أفاقت " الخضرا على
                                                                            فجر بأنفاس الخلود معطّر
                                                                    و تعانقت فتن الجمال و تمتمت
                                                                            بالعطر أعراس الربيع الأخضر
                                                                    و تسابق الإنشاد فيك و هازجت
                                                                            نغم المعرّي أغنيات البحتري
                                                                    و هفت إليك من القوافي جوقة
                                                                            سكرى متيّمة الغناء المسكر
                                                                    ***
                                                                    يا من تشخّصت المنى في شخصه
                                                                            و أهلّ فجر عدالة و تحرّر
                                                                    حقّق طموح الشعب و اجعل حلمه
                                                                            فوق الحقيقة فوق كلّ تصوّر
                                                                    وافيت فانتفضت أماني أمّة
                                                                            شمّا وشقّ البعث مرقد " حمير "
                                                                    و يكاد " دويزن " يبعثر قبره
                                                                            و يطلّ حمير من وراء الأعصر
                                                                    بلقيس يا أمّ الحضارة أشرقي
                                                                            من شرفة الأمس البعيد و كبّري
                                                                    و استعرضي زمر الأشعّة و اسبحي
                                                                            فيها بناظرك الكحيل الأحور
                                                                    مولاتي الحسنا أطلّي وانظري
                                                                            من زهوة الأجيال ما لم تنظري
                                                                    و تغطرسي ملء الفتون و عنوني
                                                                            فمك الجميل ببسمة المستفسر
                                                                    ها نحن نبني فوق هامة مأرب
                                                                            و طنا و نبني ألف صرح مرمري
                                                                    و نشيد في وطن العروبة وحدة
                                                                            فوق الثريا خلف أفق " المشتري "
                                                                    هي وحدة العرب الأباه تسنّمت
                                                                            في ربوه التاريخ أرفع منبر
                                                                    و تعانقت صنعا و مصر و جلّق
                                                                            فيها عناق الشوق و الحبّ البرّي
                                                                    و جرى على النيل المصفّق صنوة
                                                                            بردى فصفّق كوثر في كوثر
                                                                    و ارتادت " الخضرا " الكنانة فانتشت
                                                                            نسمات مأرب في أصيل الأقصر
                                                                    لولاك يا بطل الخلافة ما احتوى
                                                                            صنعا و جلّق حضن أم الأزهر
                                                                    صافحت مصر فزدت في بنيانها
                                                                            " هرما " إلى الهرم الأشم الأكبر
                                                                    أرض الجنوب – و أنت نخزة ثأرها –
                                                                            ظمأ تحنّ إلى الصراع الأحمر
                                                                    أرضي و دار أبي وجدّي لم تزل
                                                                            في قبضة المتوحّش المتنمّر
                                                                    تطوي على حلم الجهاد عيونها
                                                                            و تئنّ تحت الغاصب المستهتر
                                                                    لا حرمة الإنسان تزجره و لا
                                                                            شرف و لا نهى المتحضّر
                                                                    متجبّر و أصمّ لم يسمع سوى
                                                                            رهج الحديد المارد المتجبّر
                                                                    فازحف إليه يابن بجدتها على
                                                                            لجج السلاح الفاتح المتهوّر
                                                                    يا خير من لبّى و من نودي و من
                                                                            يغشى الوغى كالهول كاللّيث الجري
                                                                    هذي وعامتك الفتيّة قصّة
                                                                            بفم الفتوح و في شفاه الأدهر
                                                                    ***
                                                                    يا بدر هذا الشعب أنت زعيمة
                                                                            و هواك سحر غرامة المتعسّر
                                                                    حملتك روح الشعب إيمانا فلم
                                                                            تخفق بحبّ سواك بل لم تشعر
                                                                    فاسلم لتاريخ الزعامة آية
                                                                            بيضا كبهجة عصرك المتبلور