يا أَيُّها المَعمودُ - صريع الغواني
يا أَيُّها المَعمودُ
                                                                            قَد شَفَّكَ الصُدودُ
                                                                    فَأَنتَ مُستَهامٌ
                                                                            خالَفَكَ السُهودُ
                                                                    تَبيتُ ساهِراً قَد
                                                                            وَدَّعَكَ الهُجودُ
                                                                    وَفي الفُؤادِ نارٌ
                                                                            لَيسَ لَها خُمودُ
                                                                    تَشُبُّها نيرانٌ
                                                                            مِنَ الهَوى وُقودُ
                                                                    إِذا أَقولُ يَوماً
                                                                            قَد أُطفِئَت تَزيدُ
                                                                    يا عاذِلَيَّ كُفّا
                                                                            فَإِنَّني مَعمودُ
                                                                    أَكثَرتُما تَفنيدي
                                                                            لَو يَنفَعُ التَفنيدُ
                                                                    قَد أَقصَدَت فُؤادي
                                                                            خُمصانَةٌ خَريدُ
                                                                    بَهَنانَةٌ لَعوبٌ
                                                                            غَرثى الوِشاحِ رُودُ
                                                                    هِجرانُها قَريبٌ
                                                                            وَوَصلُها بَعيدُ
                                                                    كَلامُها خَلوبٌ
                                                                            إِلى الصِبا يَقودُ
                                                                    وَطَرفُها مَريضٌ
                                                                            وَلَحظُها صَيودُ
                                                                    وَهوَ لِنَفسِهِ إِذ
                                                                            يَظلِمُ مُستَفيدُ
                                                                    وَسنى وَلا كَوَسنى
                                                                            تُميتُ مَن تُريدُ
                                                                    كَالبَدرِ بَعدَ عَشرٍ
                                                                            قارَنَهُ السُعودُ
                                                                    وَثَغرُها شَتيتُ
                                                                            وَريقُها بَرودُ
                                                                    كَأَنَّ فيهِ مِسكاً
                                                                            خالَطَهُ قِنديدُ
                                                                    وَقَدُّها مَمشوقٌ
                                                                            مُنَعَّمٌ مَقدودُ
                                                                    وَكَشحُها لَطيفٌ
                                                                            مُهَفهَفٌ خَضيدُ
                                                                    كَأَنَّهُ قَضيبٌ
                                                                            في غَرسِهِ يَميدُ
                                                                    وَرِدفُها ثَقيلٌ
                                                                            بِخَصرِها يَميدُ
                                                                    كَأَنَّهُ كَثيبٌ
                                                                            لَبَّدَهُ الجَليدُ
                                                                    لَها مِنَ الظِباءِ
                                                                            مُقَلَّدٌ وَجيدُ
                                                                    كَأَنَّهُ غَزالٌ
                                                                            بِبَلدَةٍ فَريدُ
                                                                    أَو صَنَمٌ بَهِيٌّ
                                                                            في دَيرِهِ مَعبودُ
                                                                    أَحسُدُهُ مِراراً
                                                                            وَمِثلُهُ مَحسودُ
                                                                    قَد جَحَدَت هَواها
                                                                            هَل يَنفَعُ الجُحودُ
                                                                    مَن لامَ في هَواها
                                                                            فَنُصحُهُ مَردودُ
                                                                    يا سِحرُ واصِليني
                                                                            فَإِنَّني عَميدُ
                                                                    إِنّي لِما أُلاقي
                                                                            مِن حُبِّكُم مَجهودُ
                                                                    جودي لِمُستَهامٍ
                                                                            عَذَّبَهُ التَسهيدُ
                                                                    يَسهَرُ مِن هَواكُم
                                                                            وَأَنتُمُ رُقودُ
                                                                    حَتّى مَتّى مُنايَ
                                                                            لا يُنجَزُ المَوعودُ
                                                                    صارَ الهَوى بِقلبي
                                                                            يُبدي كَما يُعيدُ
                                                                    وَيحي أَنا الطَريدُ
                                                                            وَيحي أَنا الشَريدُ
                                                                    وَيحي أَنا المُعَنّى
                                                                            وَيحي أَنا الفَريدُ
                                                                    وَيحي أَنا المُمَنّى
                                                                            وَيحي أَنا الوَحيدُ
                                                                    وَيحي أَنا المُبَلّى
                                                                            وَيحي أَنا الفَقيدُ
                                                                    أَبادَني هَواكُم
                                                                            وَالحُبُّ لا يَبيدُ
                                                                    وَالحُبُّ يا مُنايَ
                                                                            أَهوَنَهُ شَديدُ
                                                                    وَالحُبُّ لي نَديمٌ
                                                                            وَالحُبُّ لي قَعيدُ
                                                                    وَالحُبُّ لي طَريفٌ
                                                                            وَالحُبُّ لي تَليدُ
                                                                    وَالحُبُّ لي إِذا ما
                                                                            أَخلَقتُهُ جَديدُ
                                                                    أَشهَدُ أَنَّ قَلبي
                                                                            عَلى الهَوى جَليدُ
                                                                    يَحمِلُ كُلَّ هَذا
                                                                            وَحَملُهُ كَؤودُ
                                                                    لَو كانَ مِن جُلمودٍ
                                                                            تَفَتَّتَ الجُلمودُ
                                                                    وَسادَةٍ سُراةٍ
                                                                            ما فيهِمُ مَسودُ
                                                                    كُلُّهُم جَليدٌ
                                                                            ما فيهِمُ حَريدُ
                                                                    بانَ السِفاهُ عَنهُم
                                                                            فَرَأيُهُم سَديدُ
                                                                    يُسقَونَ صَفوَ راحٍ
                                                                            لَذيذُها مَوجودُ
                                                                    كانَت بِعَهدِ نوحٍ
                                                                            وَهُم لَها جُنودُ
                                                                    حَتّى إِذا أُبيدوا
                                                                            أَورَثَها ثَمودُ
                                                                    شَمسِيَّةٌ شَمولٌ
                                                                            شَيطانُها مَريدُ
                                                                    مِن عَمَلِ النَصارى
                                                                            لَم تَغذُها اليَهودُ
                                                                    وَعِندِنا غَزالٌ
                                                                            بِطَرفِهِ يَصيدُ
                                                                    مُبَتَّلٌّ غَريرٌ
                                                                            تُزهى بِهِ العُقودُ
                                                                    حَتّى كَأَنَّهُ مِن
                                                                            غُرَّتِهِ بَليدُ
                                                                    فَلَم يَزَل يَسقينا
                                                                            وَعَيشُنا رَغيدُ
                                                                    مُدامَةٌ لَها في
                                                                            خُدودِنا تَوريدُ
                                                                    كَأَنَّ شارِبيها
                                                                            في سوقِهِم قُيودُ
                                                                    حَتّى اِنثَنَت عُيونٌ
                                                                            وَاِحمَرَّت الخُدودُ
                                                                    في مَجلِسٍ نَضيرٍ
                                                                            يَزينُهُ الشُهودُ
                                                                    غَطارِفٌ كِرامٌ
                                                                            بيضُ الوُجوهِ صيدُ
                                                                    مِن فَوقِهِم أَطيارٌ
                                                                            صِياحُها تَغريدُ
                                                                    وَتَحتَهُم جِنانٌ
                                                                            نَباتُها نَضيدُ
                                                                    أَكواسُهُم مِلاءُ
                                                                            طافِحَةٌ رُكودُ
                                                                    قَد قُلِّدَت بِآسٍ
                                                                            فَزانَها التَقليدُ
                                                                    مِثلُ بَناتِ ماءٍ
                                                                            أَفزَعَها الرُعودُ
                                                                    فَمَرَّةً رُكوعٌ
                                                                            وَمَرَّةً سُجودُ
                                                                    وَعِندَهُم دِفافٌ
                                                                            وَزامِرٌ وَعودُ
                                                                    خاضوا بِبَحرِ قَصفٍ
                                                                            تَجري لَهُ مُدودُ
                                                                    حَتّى اِنتَشَوا وَقاموا
                                                                            مَجلِسُهُم مَحمودُ
                                                                    مَن قالَ مِثلَ هَذا
                                                                            فَإِنَّهُ سَعيدُ
                                                                    هَذا الخُلودُ عِندي
                                                                            لَو دامَ لِيَ الخُلودُ