عَجَباً لِطَيفِ خَيالِكِ المُتَجانِبِ - صريع الغواني
عَجَباً لِطَيفِ خَيالِكِ المُتَجانِبِ
                                                                            وَلِقَلبِكِ المُستَعتِبِ المُتَغاضِبِ
                                                                    ما لي بِهَجرِكِ وَالبِلادُ عَريضَةٌ
                                                                            أَصبَحتُ قَد ضاقَت عَلَيَّ مَذاهِبي
                                                                    أَبكي وَقَد ذَهَبَ الفُؤادُ وَإِنَّما
                                                                            أَبكي لِفَقدِكِ لا لِفَقدِ الذاهِبِ
                                                                    جَلَبَ السُهادَ لِمُقلَتي بَعدَ الكَرى
                                                                            وَنَفى السُرورَ مَقالُ واشٍ كاذِبِ
                                                                    أَقصَيتِني مِن بَعدِ ما جَرَّعتِني
                                                                            كَأساً لِحُبِّكِ ما تَسوغُ لِشارِبِ
                                                                    لَو كانَ ما بي مِثلَ ما بِكِ لَم أَبِت
                                                                            نَدمانَ أَحزانٍ صَديقَ كَواكِبِ
                                                                    شابَ الهَوى في القَلبِ وَاِحتَنَكَ الجَوى
                                                                            أَسَفاً وَما شَمَلَ المَشيبُ ذَوائِبي
                                                                    ثُوبي عَلَيَّ لِكَي أُنَفِّسَ كُربَةً
                                                                            فَإِذا بَدا لَكِ في الذُنوبِ فَعاتِبي
                                                                    ما لي رَأَيتُ خَيالَ طَيفِكِ مُعَرِّضاً
                                                                            إِذ زارَني مُتَغاضِباً في جانِبِ
                                                                    وَاللَهِ لَولا أَنَّ قَلبَكِ عاتِبٌ
                                                                            ما كانَ طَيفُكِ في المَنامِ بِعاتِبِ
                                                                    إِن كان ذَنبي أَنَّ حُبَّكِ شاغِلي
                                                                            عَمَّن سِواكِ فَلَستُ عَنهُ بِتائِبِ
                                                                    لَو رامَ قَلبي عَن هَواكِ تَصَبُّراً
                                                                            ما كانَ لي طولَ الحَياةِ بِصاحِبِ
                                                                    سَلَبَ الهَوى عَقلي وَقَلبي عَنوَةً
                                                                            لَم يُبقِ مِنّي غَيرَ جِسمٍ شاحِبِ
                                                                    إِنّي لَأَستُرُ عَبرَتي بِأَنامِلي
                                                                            جُهدي لِتَخفى وَالبُكاءُ مُغالِبي
                                                                    الحُبُّ سَمٌّ طَعمُهُ مُتَلَوِّنٌ
                                                                            بِفُنونِهِ أَفنى دَواءَ طَبائِبِ
                                                                    يا سِحرُ قَد جَرَّعتِني غُصَصَ الهَوى
                                                                            كَدَّرتِ بِالهِجرانِ صَفوَ مَشارِبي
                                                                    أَشعَبتِ قَلبي بِالهَوى وَصَدَعتِهِ
                                                                            بِالهَجرِ مِنكِ فَما لَهُ مِن شاعِبِ
                                                                    صَبراً عَلَيكِ فَما أَرى لي حيلَةً
                                                                            إِلّا التَمسُّكَ بِالرَجاءِ الخائِبِ
                                                                    سَأَموتُ مِن كَمدٍ وَتَبقى حاجَتي
                                                                            فيما لَدَيكِ وَما لَها مِن طالِبِ
                                                                    ها قَد هَلَكتُ وَمِتُّ مِن أَلَمِ الهَوى
                                                                            قُوموا فَعَزّوا مَعشَري وَأَقارِبي
                                                                    طَيفٌ يُعاتِبُني وَقَلبٌ مُغضَبٌ
                                                                            نَفسي فِداءُ مُغاضِبي وَمُعاتِبي
                                                                    سَأَجيبُ داعي الحُبِّ مُنقاداً لَهُ
                                                                            إِن كانَ مَن أَحبَبتُ غَيرَ مُجاوِبي
                                                                    إِنَّ المُحِبَّ لَناعِمٌ مِن حُبِّهِ
                                                                            وَمُرَزَّأٌ فيهِ عَظيمُ مَصائِبِ
                                                                    لا تَسأَلَنَّ عَنِ الهَوى إِلّا اِمرِءاً
                                                                            خَبِراً بِطِعمَتِهِ طَويلَ تَجارِبِ
                                                                    وَمُخَدَّراتٍ ناعِماتٍ خُرَّدٍ
                                                                            مِثلِ الدُمى حورِ العُيونِ كَواعِبِ
                                                                    مُتَنَكِّراتٍ زُرنَني مِن بَعدِ ما
                                                                            هَدَتِ العُيونُ وَنامَ كُلُّ مُراقِبِ
                                                                    لَقَبَنَّني أَسماءَ مِنها سَيِّدي
                                                                            وَأَخي وَسالِبُ مَن أُحِبُّ وَسالِبي
                                                                    وَسَفَرنَ عَن غُرَرِ الوُجوهِ كَأَنَّها
                                                                            بِاللَيلِ مِصباحٌ بِبيعَةِ راهِبِ
                                                                    حورٌ أَوانِسُ يَقتَنِصنَ بَأَسهُمٍ
                                                                            مِن طَرفِهِنَّ إِذا نَظَرنَ صَوائِبِ
                                                                    زَرَعَ الشَبابُ لَهُنَّ رُمّانَ الصِبا
                                                                            في أَنحُرٍ قَد زُيِّنَت بِتَرائِبِ
                                                                    أَبدَينَ لي ما بَينَ طَرفٍ ساحِرٍ
                                                                            وَدَلالِ مَغنوجٍ وَشَكلٍ خالِبِ
                                                                    وَحَديثِ سَحّارِ الحَديثِ كَأَنَّهُ
                                                                            دُرٌّ تَحَدَّرَ مِن نِظامِ الثاقِبِ
                                                                    فَقَطَفتُ رُمّانَ الصُدورِ لِلَذَّةٍ
                                                                            وَلَمَستُ أَردافاً كَفِعلِ اللاعِبِ
                                                                    وَتَزَعفَرَت شَفَتَي لِلَثمِ تَرائِبٍ
                                                                            عَبَقَت بِها ريحُ العَبيرِ الغالِبِ
                                                                    ما زِلتُ أُنصِفُهُنَّ مِنّي في الهَوى
                                                                            حَتّى أَخَذنَ فَما تَرَكنَ أَطايِبي
                                                                    أَحيَينَ لَيلَتَهُنَّ بي وَبِمَجلِسي
                                                                            في قَصفِ قَيناتٍ وَعَزفِ ضَوارِبِ
                                                                    حَتّى إِذا وَدَّعنَني أَهدَينَ لي
                                                                            تَسليمَهُنَّ بِأَعيُنٍ وَحَواجِبِ
                                                                    كَم مَنقَبٍ لي في الحِسانِ مُشَهَّرٍ
                                                                            وَمَناقِبٍ مَحمودَةٍ وَمَناقِبِ
                                                                    ما لَذَّةُ الدُنيا إِذا ما لَم تَكُن
                                                                            فيها فَتى كَأسٍ صَريعَ حَبائِبِ