أَيا سُرورٌ وَأَنتَ يا حَزَنُ - صريع الغواني
أَيا سُرورٌ وَأَنتَ يا حَزَنُ
                                                                            لِم لَم أَمُت حينَ صارَتِ الظُعُنُ
                                                                    أَطالَ عُمرِيَ أَم مُدَّ في أَجَلي
                                                                            أَم لَيسَ في الظاعِنينَ لي شَجَنُ
                                                                    أَم لَم يَبِن مَن هَوَيتُ مُرتَحِلاً
                                                                            أَم لَم تَوَحَّش مِن بَعدِهِ الدِمَنُ
                                                                    يا لَيتَ ماءَ الفُراتِ يُخبِرُنا
                                                                            أَينَ تَوَلَّت بِأَهلِها السُفُنُ
                                                                    ما أَحسَنَ المَوتَ عِندَ فُرقَتِهِم
                                                                            وَأَقبَحَ العَيشَ بَعدَ ما ظَعَنوا
                                                                    وَيحَ المُحِبّينَ كَيفَ أَرحَمُهُم
                                                                            لَقَد شَقوا في طِلابِهِم وَعَنوا
                                                                    هَذي الحَماماتُ إِن بَكَت وَدَعَت
                                                                            أَسعَدَها في بُكائِها الفَنَنُ
                                                                    فَمَن عَلى صَبوَتي يُساعِدُني
                                                                            إِذا جَفاني الحَبيبُ وَالسَكَنُ
                                                                    صَبَرتُ لِلحُبِّ إِذ بُليتُ بِهِ
                                                                            وَماتَ مِنّي السِرارُ وَالعَلَنُ
                                                                    يا مُبدِعَ الذَنبِ لي لِيَظلِمَني
                                                                            هَجرُكَ لي في الذُنوبِ مُمتَحِنُ
                                                                    مالي مِن مِنَّةٍ فَأَشكُرَها
                                                                            عِندَكَ لا بَل عِندي لَكَ المِنَنُ
                                                                    جَهِلتَ وَصلي فَلَستَ تَعرِفُهُ
                                                                            وَأَنتَ بِالهَجرِ عالِمٌ فَطِنُ
                                                                    حارَبَني بَعدَكَ السُرورُ كَما
                                                                            صالَحَني عِندَ فَقدِكَ الحَزَنُ
                                                                    أَعانَكَ الطَرفُ وَالفُؤادُ عَلى
                                                                            روحي وَرَوحي عَلَىَّ يَعتَوِنُ
                                                                    مِمّا كَساني الهَوى فَكِسوَتُهُ
                                                                            لي أَبَداً ما لَبِستُها كَفَنُ
                                                                    أَوهَنَني حُبُّ مَن شُغِفتُ بِهِ
                                                                            حَتّى بَراني وَشَفَّني الوَهنُ
                                                                    عَذَّبَني حُبُّ طَفلَةٍ عَرَضَت
                                                                            فيها وَفي حُبِّها لِيَ الفِتَنُ
                                                                    إِذا دَنَت لِلضَجيعِ لَذَّ لَهُ
                                                                            مِنها اِعتِناقٌ وَلَذَّ مُحتَضَنُ
                                                                    كَحلاءُ لَم تَكتَحِل بِكاحِلَةٍ
                                                                            وَسنانَةُ الطَرفِ ما بِها وَسَنُ
                                                                    فَفي فُؤادِيَ لِحُبِّها غُصُنٌ
                                                                            في كُلِّ حينٍ يُورِقُ الغُصُنُ
                                                                    قيلَ لَها إِنَّهُ أَخو كَلَفٍ
                                                                            بِحُبِّكُم هائِمٌ وَمُفتَتِنُ
                                                                    فَأَعرَضَت لِلصُدودِ قائِلَةً
                                                                            يَقولُ ما شاءَ شاعِرٌ لَسِنُ
                                                                    ما كانَ في ما مَضى بِمُؤتَمَنٍ
                                                                            عَلى هَوانا فَكَيفَ يُؤتَمَنُ
                                                                    حُبّانِ غَضّانِ في الفُؤادِ لَها
                                                                            فَمِنهُما ظاهِرٌ وَمُندَفِنٌ
                                                                    أَوطَنَ يا سِحرُ حُبُّكُم كَبِدي
                                                                            فَلَيسَ لِلحُبِّ غَيرَها وَطَنُ
                                                                    سَمِعتِ فينا مَقالَ ذي حَسَدٍ
                                                                            لَمّا أَتاكُم بِهِ هَنٌ وَهَنُ
                                                                    إِن كانَ هِجرانُكُم يَطيبُ لَكُم
                                                                            فَلَيسَ لِلوَصلِ عِندَنا ثَمَنُ
                                                                    خَلَعتُ في الحُبِّ ماجِناً رَسَنى
                                                                            كَذاكَ في الحُبِّ يُخلَعُ الرَسَنُ
                                                                    وا بِأَبي مَن يَقولُ لي بِأَبي
                                                                            وَمَن فُؤادي لَدَيهِ مُرتَهَنُ
                                                                    يَطلُبُني حُبُّهُ لِيَقتُلَني
                                                                            وَلَيسَ بَيني وَبَينَهُ إِحَنُ
                                                                    وَكَم مِن أَشياءَ قَد مَضَت سُنَناً
                                                                            كَما جَرَت في القَبائِلِ السُنَنُ
                                                                    وَقائِلٍ لَستَ بِالمُحِبِّ وَلَو
                                                                            كُنتَ مُحِبّاً هَزَلتَ مُذ زَمَنُ
                                                                    فَقُلتُ رَوحي مُكاتِمٌ جَسَدي
                                                                            حُبِّيَ وَالحُبُّ فيهِ مُختَزَنُ
                                                                    شَفَّ الهَوى مُهجَتي وَعَذَّبَها
                                                                            فَلَيسَ لي مُهجَةٌ وَلا بَدَنُ
                                                                    أَحَبَّ قَلبي وَما دَرى جَسَدي
                                                                            وَلَو دَرى لَم يُقِم بِهِ السِمَنُ
                                                                    لَو وَزَنَ العاشِقونَ حُبَّهُمُ
                                                                            لَكانَ حُبّي بِحُبِّهِم يَزِنُ
                                                                    لا عَيبَ إِن كُنتُ ماجِناً غَزِلاً
                                                                            فَقَبلِيَ الأَوَّلونَ ما مَجَنوا