أليوم عهدكم فأين الموعد؟ - المتنبي
ألْيَوْمَ عَهدُكُمُ فأينَ المَوْعِدُ؟
                                                                            هَيهاتِ ليسَ ليَوْمِ عَهدِكُمُ غَدُ
                                                                    ألمَوْتُ أقرَبُ مِخْلَباً من بَيْنِكُمْ
                                                                            وَالعَيشُ أبعَدُ منكُمُ لا تَبعُدُوا
                                                                    إنّ التي سفَكَتْ دَمي بجُفُونِها
                                                                            لم تَدْرِ أنّ دَمي الذي تَتَقَلّدُ
                                                                    قالَتْ وقَد رَأتِ اصْفِراري من بهِ
                                                                            وَتَنَهّدَتْ فأجَبْتُها المُتَنَهِّدُ
                                                                    فَمَضَتْ وقد صَبَغَ الحَياءُ بَياضَهَا
                                                                            لَوْني كَما صَبَغَ اللُّجَينَ العَسجَدُ
                                                                    فرَأيتُ قَرْنَ الشّمسِ في قمرِ الدّجى
                                                                            مُتَأوّداً غُصْنٌ بِهِ يَتَأوّدُ
                                                                    عَدَوِيّةٌ بَدَوِيّةٌ مِنْ دُونِهَا
                                                                            سَلْبُ النّفُوسِ ونارُ حرْبٍ توقَدُ
                                                                    وَهَواجِلٌ وصَواهِلٌ ومَنَاصِلٌ
                                                                            وذَوابِلٌ وتَوَعّدٌ وتَهَدُّدُ
                                                                    أبْلَتْ مَوَدّتَها اللّيالي بَعْدَنَا
                                                                            ومَشَى عَلَيها الدّهرُ وهوَ مُقَيَّدُ
                                                                    بَرّحْتَ يا مَرَضَ الجُفُونِ بِمُمرَضٍ
                                                                            مَرِضَ الطّبيبُ لهُ وَعِيدَ العُوّدُ
                                                                    فَلَهُ بَنُو عَبْدِ العَزيزِ بنِ الرّضَى
                                                                            ولكُلّ رَكْبٍ عيسُهُمْ والفَدْفَدُ
                                                                    مَن في الأنامِ مِنَ الكِرامِ ولا تَقُلْ
                                                                            مَن فيكِ شأمُ سوَى شجاعٍ يُقصَدُ
                                                                    أعطى فقُلتُ: لجودِه ما يُقْتَنَى،
                                                                            وَسَطا فقلتُ: لسَيفِهِ ما يُولَدُ
                                                                    وَتَحَيّرَتْ فيهِ الصّفاتُ لأنّهَا
                                                                            ألْفَتْ طَرائِقَهُ عَلَيها تَبْعُدُ
                                                                    في كلّ مُعْتَرَكٍ كُلًى مَفْرِيّةٌ
                                                                            يَذْمُمْنَ منهُ ما الأسِنّةُ تَحمَدُ
                                                                    نِقَمٌ عَلى نِقَمِ الزّمانِ يَصُبّها
                                                                            نِعَمٌ على النّعَمِ التي لا تُجْحَدُ
                                                                    في شَانِهِ ولِسانِهِ وبَنَانِهِ
                                                                            وَجَنانِهِ عَجَبٌ لمَنْ يَتَفَقّدُ
                                                                    أسَدٌ دَمُ الأسَدِ الهِزَبْرِ خِضابُهُ
                                                                            مَوْتٌ فَريصُ المَوْتِ منهُ يُرْعَدُ
                                                                    ما مَنْبِجٌ مُذْ غِبْتَ إلاّ مُقْلَةٌ
                                                                            سهدتْ وَوَجْهُكَ نوْمُها والإثمِدُ
                                                                    فاللّيلُ حينَ قَدِمْتَ فيها أبْيَضٌ
                                                                            والصّبْحُ مُنذُ رَحَلْتَ عنها أسوَدُ
                                                                    ما زِلْتَ تَدنو وهْيَ تَعْلُو عِزّةً
                                                                            حتى تَوَارَى في ثَراها الفَرْقَدُ
                                                                    أرْضٌ لها شَرَفٌ سِواها مِثْلُهَا
                                                                            لوْ كانَ مثْلُكَ في سِواها يُوجَدُ
                                                                    أبْدَى العُداةُ بكَ السّرورَ كأنّهُمْ
                                                                            فرِحوا وعِندَهُمُ المُقيمُ المُقْعِدُ
                                                                    قَطّعْتَهُمْ حَسَداً أراهُمْ ما بهِمْ
                                                                            فَتَقَطّعُوا حَسَداً لمنْ لا يَحسُدُ
                                                                    حتى انْثَنَوْا ولَوْ أنّ حرّ قُلوبهمْ
                                                                            في قَلْبِ هاجِرَةٍ لَذابَ الجَلْمَدُ
                                                                    نَظَرَ العُلُوجُ فلَمْ يَروْا من حَوْلهم
                                                                            لمّا رَأوْكَ وقيلَ هذا السّيّدُ
                                                                    بَقيَتْ جُمُوعُهُمُ كأنّكَ كُلّها
                                                                            وبَقيتَ بَينَهُمُ كأنّكَ مُفْرَدُ
                                                                    لهفَانَ يَستوْبي بكَ الغَضَبَ الوَرَى
                                                                            لوْ لم يُنَهْنِهْكَ الحِجى والسّؤدُدُ
                                                                    كنْ حيثُ شئتَ تَسِرْ إليكَ رِكابُنا
                                                                            فالأرْضُ واحِدَةٌ وأنتَ الأوْحَدُ
                                                                    وَصُنِ الحُسامَ ولا تُذِلْهُ فإنّهُ
                                                                            يَشكُو يَمينَكَ والجَماجمُ تَشهَدُ
                                                                    يَبِسَ النّجيعُ عَلَيْهِ وَهْوَ مُجَرَّدٌ
                                                                            مِنْ غِمْدِهِ وكأنّما هوَ مُغْمَدُ
                                                                    رَيّانُ لَوْ قَذَفَ الذي أسْقَيْتَهُ
                                                                            لجَرَى منَ المُهَجاتِ بَحْرٌ مُزْبدُ
                                                                    ما شارَكَتْهُ مَنِيّةٌ في مُهْجَةٍ
                                                                            إلاّ وشَفْرَتُهُ على يَدِها يَدُ
                                                                    إنّ العَطايا والرّزايا والقَنا
                                                                            حُلَفاءُ طَيٍّ غَوّرُوا أوْ أنجَدُوا
                                                                    صِحْ يا لَجُلْهُمَةٍ تُجِبْكَ وإنّما
                                                                            أشفَارُ عَينِكَ ذابِلٌ ومُهَنّدُ
                                                                    من كلّ أكبَرَ مِنْ جِبالِ تِهامَةٍ
                                                                            قَلْباً ومِنْ جَوْدِ الغَوَادي أجوَدُ
                                                                    يَلْقاكَ مُرْتَدِياً بأحْمَرَ مِنْ دَمٍ
                                                                            ذَهَبَتْ بخُضرَتِهِ الطُّلَى والأكْبُدُ
                                                                    حتى يُشارَ إلَيكَ: ذا مَوْلاهُمُ
                                                                            وَهُمُ المَوَالي والخَليقَةُ أعْبُدُ
                                                                    أنّى يَكُونُ أبَا البَرِيّةِ آدَمٌ
                                                                            وأبوكَ والثّقَلانِ أنْتَ مُحَمّدُ
                                                                    يَفنى الكَلامُ ولا يُحيطُ بفَضْلِكُمْ
                                                                            أيُحيطُ ما يَفْنى بمَا لا يَنْفَدُ