باد هواك صبرت أم لم تصبرا - المتنبي
بَادٍ هَوَاكَ صَبَرْتَ أمْ لم تَصْبِرَا
                                                                            وَبُكاكَ إن لم يَجْرِ دمعُكَ أو جَرَى
                                                                    كمْ غَرّ صَبرُكَ وَابتسامُكَ صَاحِباً
                                                                            لمّا رَآهُ وَفي الحَشَا مَا لا يُرَى
                                                                    أمَرَ الفُؤادُ لِسَانَهُ وَجُفُونَهُ
                                                                            فَكَتَمْنَهُ وَكَفَى بجِسْمِكَ مُخبِرَا
                                                                    تَعِسَ المَهَاري غَيرَ مَهْرِيٍّ غَدَا
                                                                            بمُصَوَّرٍ لَبِسَ الحَرِيرَ مُصَوَّرا
                                                                    نَافَسْتُ فِيهِ صُورَةً في سِتْرِهِ
                                                                            لَوْ كُنْتُهَا لخَفيتُ حتى يَظْهَرَا
                                                                    لا تَترَبِ الأيْدي المُقيمَةُ فَوْقَهُ
                                                                            كِسرَى مُقامَ الحاجِبَينِ وَقَيصَرَا
                                                                    يَقِيَانِ في أحَدِ الهَوَادِجِ مُقْلَةً
                                                                            رَحَلَتْ وَكانَ لها فُؤادي مَحْجِرَا
                                                                    قد كُنتُ أحْذَرُ بَيْنَهُمْ من قَبْلِهِ
                                                                            لَوْ كانَ يَنْفَعُ خائِفاً أنْ يَحذَرَا
                                                                    وَلَوِ استَطَعتُ إذِ اغْتَدَتْ رُوّادُهمْ
                                                                            لمَنَعْتُ كُلَّ سَحَابَةٍ أنْ تَقْطُرَا
                                                                    فإذا السّحابُ أخو غُرابِ فِراقِهِمْ
                                                                            جَعَلَ الصّياحَ بِبَيْنِهِمْ أن يَمطُرَا
                                                                    وَإذا الحَمَائِلُ ما يَخِدْنَ بنَفْنَفٍ
                                                                            إلاّ شَقَقْنَ عَلَيهِ ثَوْباً أخضَرَا
                                                                    يَحْمِلْنَ مِثْلَ الرّوْضِ إلاّ أنّها
                                                                            أسْبَى مَهَاةً للقُلُوبِ وَجُؤذُرَا
                                                                    فَبِلَحْظِهَا نَكِرَتْ قَنَاتي رَاحَتي
                                                                            ضُعْفاً وَأنْكَرَ خاتَمايَ الخِنْصِرَا
                                                                    أعطَى الزّمانُ فَمَا قَبِلْتُ عَطَاءَهُ
                                                                            وَأرَادَ لي فأرَدْتُ أنْ أتَخَيّرَا
                                                                    أرَجَانَ أيّتُهَا الجِيَادُ فإنّهُ
                                                                            عَزْمي الذي يَذَرُ الوَشيجَ مُكَسَّرَا
                                                                    لوْ كُنتُ أفعَلُ ما اشتَهَيتِ فَعَالَهُ
                                                                            ما شَقّ كَوْكَبُكِ العَجاجَ الأكدَرَا
                                                                    أُمّي أبَا الفَضْلِ المُبِرَّ ألِيّتي
                                                                            لأُيَمّمَنّ أجَلّ بَحْرٍ جَوْهَرَا
                                                                    أفْتَى برُؤيَتِهِ الأنَامُ وَحَاشَ لي
                                                                            مِنْ أنْ أكونَ مُقصّراً أوْ مُقصِرَا
                                                                    صُغْتُ السّوَارَ لأيّ كَفٍّ بَشّرَتْ
                                                                            بابنِ العَميدِ وَأيّ عَبْدٍ كَبّرَا
                                                                    إنْ لمْ تُغِثْني خَيْلُهُ وَسِلاحُهُ
                                                                            فمَتى أقُودُ إلى الأعادي عَسكَرَا
                                                                    بأبي وَأُمّي نَاطِقٌ في لَفْظِهِ
                                                                            ثَمَنٌ تُبَاعُ بهِ القُلُوبُ وَتُشترَى
                                                                    مَنْ لا تُرِيهِ الحَرْبُ خَلقاً مُقْبِلاً
                                                                            فيها وَلا خَلْقٌ يَرَاهُ مُدْبِرا
                                                                    خَنْثى الفُحُولِ من الكُماةِ بصَبْغِهِ
                                                                            مَا يَلْبَسُونَ منَ الحديدِ مُعَصْفَرا
                                                                    يَتَكَسّبُ القَصَبُ الضَّعيف بكَفّهِ
                                                                            شَرَفاً على صُمِّ الرّمَاحِ وَمَفْخَرَا
                                                                    وَيَبِينُ فِيمَا مَسّ مِنْهُ بَنَانُهُ
                                                                            تِيهُ المُدِلِّ فَلَوْ مَشَى لَتَبَخْتَرا
                                                                    يا مَنْ إذا وَرَدَ البِلادَ كِتابُهُ
                                                                            قبلَ الجُيُوشِ ثَنى الجُيوشَ تحَيُّرَا
                                                                    أنتَ الوَحيدُ إذا رَكِبْتَ طَرِيقَةً
                                                                            وَمَنِ الرّديفُ وقد ركبتَ غضَنْفَرَا
                                                                    قَطَفَ الرّجالُ القَوْلَ وَقتَ نَبَاتِهِ
                                                                            وَقَطَفْتَ أنْتَ القَوْلَ لمّا نَوّرَا
                                                                    فَهُوَ المُتَبَّعُ بالمَسامِعِ إنْ مضَى
                                                                            وَهوَ المُضَاعَفُ حُسنُهُ إنْ كُرِّرَا
                                                                    وَإذا سَكَتَّ فإنّ أبْلَغَ خَاطِبٍ
                                                                            قَلَمٌ لكَ اتّخَذَ الأنَامِلَ مِنْبَرَا
                                                                    وَرَسائِلٌ قَطَعَ العُداةُ سِحاءَهَا
                                                                            فَرَأوْا قَناً وَأسِنَّةً وَسَنَوّرا
                                                                    فدَعاكَ حُسَّدُكَ الرّئيسَ وَأمسكُوا
                                                                            وَدَعاكَ خالِقُكَ الرّئيسَ الأكْبَرَا
                                                                    خَلَفَتْ صِفاتُكَ في العُيونِ كلامَهُ
                                                                            كالخَطِّ يَمْلأُ مِسْمَعَيْ مَن أبصَرا
                                                                    أرَأيْتَ هِمّةَ نَاقَتي في نَاقَةٍ
                                                                            نَقَلَتْ يداً سُرُحاً وَخُفّاً مُجمَرَا
                                                                    تَرَكَتْ دُخانَ الرِّمْثِ في أوْطانِهَا
                                                                            طَلَباً لِقَوْمٍ يُوقِدونَ العَنْبَرَا
                                                                    وَتَكَرّمَتْ رُكَبَاتُهَا عَن مَبرَكٍ
                                                                            تَقَعَانِ فيهِ وَلَيسَ مِسكاً أذفَرَا
                                                                    فأتَتْكَ دامِيَةَ الأظَلّ كأنّمَا
                                                                            حُذِيتْ قَوَائِمُها العَقيقَ الأحْمَرَا
                                                                    بَدَرَتْ إلَيْكَ يَدَ الزّمانِ كَأنّهَا
                                                                            وَجَدَتْهُ مَشغُولَ اليَدَينِ مُفكّرَا
                                                                    مَنْ مُبلِغُ الأعرابِ أنّي بَعْدَها
                                                                            جالَستُ رِسطالِيسَ وَالإسكَندَرَا
                                                                    وَمَلِلْتُ نَحْرَ عِشارِهَا فأضَافَني
                                                                            مَنْ يَنحَرُ البِدَرَ النُّضَارَ لِمَنْ قرَى
                                                                    وَسَمِعْتُ بَطليموسَ دارِسَ كُتبِهِ
                                                                            مُتَمَلّكاً مُتَبَدّياً مُتَحَضّرَا
                                                                    وَلَقيتُ كُلّ الفَاضِلِينَ كأنّمَا
                                                                            رَدّ الإل?هُ نُفُوسَهُمْ وَالأعْصُرَا
                                                                    نُسِقُوا لَنَا نَسَقَ الحِسابِ مُقَدَّماً
                                                                            وَأتَى فذلِكَ إذْ أتَيْتَ مُؤخَّرَا
                                                                    يَا لَيْتَ باكِيَةً شَجَاني دَمْعُهَا
                                                                            نَظَرَتْ إلَيكَ كَما نَظَرْتُ فتَعذِرَا
                                                                    وَتَرَى الفَضيلَةَ لا تَرُدّ فَضِيلَةً
                                                                            ألشّمسَ تُشرِقُ وَالسحابَ كنَهْوَرَا
                                                                    أنَا من جَميعِ النّاسِ أطيَبُ مَنزِلاً
                                                                            وَأسَرُّ رَاحِلَةً وَأرْبَحُ مَتْجَرَا
                                                                    زُحَلٌ على أنّ الكَوَاكبَ قَوْمُهُ
                                                                            لَوْ كانَ منكَ لكانَ أكْرَمَ مَعْشَرَا_