ما أجدر الأيام والليالي - المتنبي
مَا أجْدَرَ الأيّامَ وَاللّيَالي
                                                                            بأنْ تَقُولَ مَا لَهُ وَمَا لي
                                                                    لا أنْ يكونَ هكَذا مَقَالي
                                                                            فَتىً بنِيرانِ الحُروبِ صَالِ
                                                                    مِنْهَا شَرَابي وَبهَا اغْتِسَالي
                                                                            لا تَخطُرُ الفَحشاءُ لي ببَالِ
                                                                    لَوْ جَذَبَ الزّرّادُ مِنْ أذْيَالي
                                                                            مُخَيِّراً لي صَنْعَتَيْ سِرْبَالِ
                                                                    مَا سُمْتُهُ زَرْدَ سِوَى سِرْوَالِ
                                                                            وَكَيفَ لا وَإنّمَا إدْلالي
                                                                    بِفارِسِ المَجْرُوحِ وَالشَّمَالِ
                                                                            أبي شُجاعٍ قاتِلِ الأبطالِ
                                                                    سَاقي كُؤوسِ المَوْتِ وَالجِرْيالِ
                                                                            لمّا أصَارَ القُفْصَ أمْسِ الخالي
                                                                    وَقَتّلَ الكُرْدَ عَنِ القِتالِ
                                                                            حتى اتّقَتْ بالفَرِّ وَالإجْفَالِ
                                                                    فَهَالِكٌ وَطائِعٌ وَجَالِ
                                                                            وَاقْتَنَصَ الفُرْسانَ بالعَوَالي
                                                                    وَالعُتُقِ المُحْدَثَةِ الصّقالِ
                                                                            سَارَ لصَيدِ الوَحشِ في الجِبالِ
                                                                    وَفي رَقَاقِ الأرْضِ وَالرّمَالِ
                                                                            على دِمَاءِ الإنْسِ وَالأوْصَالِ
                                                                    مُنْفَرِدَ المُهْرِ عَنِ الرّعَالِ
                                                                            مِنْ عِظَمِ الهِمّةِ لا المَلالِ
                                                                    وَشِدّةِ الضِّنّ لا الاسْتِبْدالِ
                                                                            ما يَتَحرَّكْنَ سِوَى انْسِلالِ
                                                                    فَهُنّ يُضرَبنَ على التَّصْهَالِ
                                                                            كُلُّ عَليلٍ فَوْقَهَا مُخْتَالِ
                                                                    يُمْسِكُ فَاهُ خَشْيَةَ السُّعَالِ
                                                                            من مَطلِعِ الشّمسِ إلى الزّوالِ
                                                                    فَلَمْ يَئِلْ ما طارَ غَيرَ آلِ
                                                                            وَمَا عَدا فانغَلّ في الأدْغالِ
                                                                    وَمَا احتَمَى بالماءِ وَالدِّحَالِ
                                                                            مِنَ الحَرَامِ اللّحْمِ وَالحَلالِ
                                                                    إنّ النّفُوسَ عَدَدُ الآجَالِ
                                                                            سَقْياً لدَشْتِ الأرْزَنِ الطُّوَالِ
                                                                    بَينَ المُرُوجِ الفِيحِ وَالأغْيَالِ
                                                                            مُجاوِرِ الخِنْزِيرِ للرّئْبَالِ
                                                                    داني الخَنانيصِ مِنَ الأشْبَالِ
                                                                            مُشْتَرِفِ الدّبّ عَلى الغَزَالِ
                                                                    مُجتمِعِ الأضْدادِ وَالأشكالِ
                                                                            كَأنّ فَنّاخُسْرَ ذا الإفْضَالِ
                                                                    خَافَ عَلَيْهَا عَوَزَ الكَمَالِ
                                                                            فَجَاءَهَا بالفِيلِ وَالفَيّالِ
                                                                    فَقِيدَتِ الأيّلُ في الحِبَالِ
                                                                            طَوْعَ وُهُوقِ الخَيلِ وَالرّجالِ
                                                                    تَسيرُ سَيرَ النَّعَمِ الأرْسَالِ
                                                                            مُعْتَمّةً بيَبِسِ الأجْذالِ
                                                                    وُلِدْنَ تحتَ أثْقَلِ الأحْمَالِ
                                                                            قَدْ مَنَعَتْهُنّ مِنَ التّفَالي
                                                                    لا تَشْرَكُ الأجْسامَ في الهُزالِ
                                                                            إذا تَلَفّتنَ إلى الأظْلالِ
                                                                    أرَيْنَهُنّ أشْنَعَ الأمْثَالِ
                                                                            كَأنّمَا خُلِقْنَ لِلإذْلالِ
                                                                    زِيادَةً في سُبّةِ الجُهّالِ
                                                                            وَالعُضْوُ لَيسَ نافِعاً في حَالِ
                                                                    لِسَائِرِ الجِسْمِ مِنَ الخَبَالِ
                                                                            وَأوْفَتِ الفُدْرُ مِنَ الأوْعَالِ
                                                                    مُرْتَدِياتٍ بِقِسِيِّ الضّالِ
                                                                            نَوَاخِسَ الأطْرَافِ لِلأكفَالِ
                                                                    يَكَدْنَ يَنْفُذْنَ منَ الآطالِ
                                                                            لهَا لِحىً سُودٌ بِلا سِبَالِ
                                                                    يَصْلُحنَ للإضْحاكِ لا الإجْلالِ
                                                                            كُلُّ أثِيثٍ نَبْتُهَا مِتْفَالِ
                                                                    لم تُغْذَ بالمِسْكِ وَلا الغَوَالي
                                                                            تَرْضَى من الأدْهانِ بالأبْوَالِ
                                                                    وَمِنْ ذَكيّ الطّيبِ بالدَّمَالِ
                                                                            لَوْ سُرّحَتْ في عارِضَيْ مُحتالِ
                                                                    لَعَدّهَا مِنْ شبكاتِ المَالِ
                                                                            بَينَ قُضَاةِ السّوْءِ وَالأطفَالِ
                                                                    شَبيهَةِ الإدْبَارِ بالإقْبَالِ
                                                                            لا تُؤثِرُ الوَجهَ على القَذَالِ
                                                                    فاخْتَلَفَتْ في وَابِلَيْ نِبَالِ
                                                                            مِنْ أسْفَلِ الطّوْدِ وَمن مُعَالِ
                                                                    قَدْ أوْدَعَتْهَا عَتَلُ الرّجَالِ
                                                                            في كلّ كِبْدٍ كَبِدَيْ نِصَالِ
                                                                    فَهُنّ يَهْوِينَ مِنَ القِلالِ
                                                                            مَقْلُوبَةَ الأظْلافِ وَالإرْقالِ
                                                                    يُرْقِلْنَ في الجَوّ على المَحَالِ
                                                                            في طُرُقٍ سَرِيعَةِ الإيصالِ
                                                                    يَنَمْنَ فيهَا نِيمَةَ المِكسَالِ
                                                                            على القُفِيّ أعْجَلَ العِجالِ
                                                                    لا يَتَشَكّينَ مِنَ الكَلالِ
                                                                            وَلا يُحاذِرْنَ مِنَ الضّلالِ
                                                                    فكانَ عَنهَا سَبَبَ التّرْحالِ
                                                                            تَشْوِيقُ إكْثَارٍ إلى إقْلالِ
                                                                    فَوَحْشُ نَجْدٍ منْهُ في بَلْبَالِ
                                                                            يَخَفْنَ في سَلمى وَفي قِيَالِ
                                                                    نَوَافِرَ الضِّبَابِ وَالأوْرَالِ،
                                                                            وَالخاضِبَاتِ الرُّبْدِ وَالرِّئَالِ
                                                                    وَالظّبيِ وَالخَنْسَاءِ وَالذَّيّالِ
                                                                            يَسْمَعْنَ من أخبارِهِ الأزْوَالِ
                                                                    ما يَبعَثُ الخُرْسَ على السّؤالِ
                                                                            فَحُولُهَا وَالعُوذُ وَالمَتَالي
                                                                    تَوَدّ لَوْ يُتْحِفُهَا بِوَالِ
                                                                            يَرْكَبُهَا بالخُطْمِ وَالرّحالِ
                                                                    يُؤمِنُهَا مِنْ هَذِهِ الأهْوَالِ
                                                                            وَيَخْمُسُ العُشْبَ وَلا تُبَالي
                                                                    وَمَاءَ كُلِّ مُسْبِلٍ هَطّالِ
                                                                            يا أقْدَرَ السُّفّارِ وَالقُفّالِ
                                                                    لوْ شِئتَ صِدتَ الأُسدَ بالثّعالي
                                                                            أوْ شِئتَ غرّقتَ العِدَى بالآلِ
                                                                    وَلَوْ جَعَلْتَ مَوْضِعَ الإلالِ
                                                                            لآلِئاً قَتَلْتَ بِاللآّلي
                                                                    لم يَبْقَ إلاّ طَرَدُ السّعَالي
                                                                            في الظُّلَمِ الغَائِبَةِ الهِلالِ
                                                                    على ظُهُورِ الإبِلِ الأُبّالِ
                                                                            فَقَدْ بَلَغْتَ غايَةَ الآمَالِ
                                                                    فلَمْ تَدَعْ منها سِوَى المُحالِ
                                                                            في لا مَكانٍ عِندَ لا مَنَالِ
                                                                    يا عَضُدَ الدّوْلَةِ وَالمَعَالي
                                                                            ألنّسَبُ الحَلْيُ وأنْتَ الحالي
                                                                    بالأبِ لا بالشَّنْفِ وَالخَلْخالِ
                                                                            حَلْياً تَحَلّى مِنْكَ بالجَمَالِ
                                                                    وَرُبّ قُبْحٍ وَحِلًى ثِقَالِ
                                                                            أحسَنُ منها الحُسنُ في المِعطالِ
                                                                    فَخْرُ الفَتى بالنّفسِ وَالأفْعَالِ
                                                                            مِنْ قَبْلِهِ بالعَمّ وَالأخْوَالِ