بت أبدي وجدا وأكتم وجدا - البحتري
بِتُّ أُبْدي وَجْداً وَأكْتُمُ وَجْدا،
                                                                            لخَيَالٍ من البخيلة يُهْدَى
                                                                    أقْسِمُ الظّنّ فِيهِ أنّى تخَطّى الـ
                                                                            ـرّمحلَ مِنْ عالِجٍ، وَأنّى تَهَدّى
                                                                    خَطَأٌ ما أزَارَنَاهُ طُرُوقاً،
                                                                            أمْ تَوَخيّهِ للزّيارَةِ عَمْدا
                                                                    جاءَ يَسْري، فأشْرَقَتْ أرْضُ نجدٍ
                                                                            لِسُرَاهُ، وَوَاصَلَ الغَيْثُ نَجْدا
                                                                    لا تَخِيبُ البِلادَ، تخْطِرُ فِيهَا
                                                                            رُسُلُ الشّوْقِ من خيالاتِ سُعْدَى
                                                                    وَعَدَتْنَا، فما وعفَتْ بِوِصَالٍ،
                                                                            وَوَفَتْ، حين أوْعَدَتْ أنْ تَصُدّا
                                                                    قَرّبَ الطّيْفُ مُنْتَواها فأصْبَحْـ
                                                                            ـتُ حَدِيثاً بِنافِضِ العَهْدِ عَهْدا
                                                                    سكَنٌ لي، إذَا دَنَا ازداد لِيّا
                                                                            ناً َوبعدا، فازْدادَ بالقُرْبِ بُعْدا
                                                                    سَألَتْني عنِ الشّبابِ كَأنْ لمْ
                                                                            تَدْرِ أنّ الشّبابَ قَرْضٌ يُؤدّى
                                                                    لمْ يَبِنْ عَنْ زَهَادَةٍ منه لَكِنْ
                                                                            آنَ لِلْمُسْتَعَارِ أنْ يُسْتَرَدّا
                                                                    ما ذَخَرْتُ الدّموعَ أبْكِيهِ إلاّ
                                                                            لفراق مواشيك إن أجد
                                                                    إنني ما حللت في الأرض إلا
                                                                            كُنْتُ في أهْلِها المُجَلَّ المُفَدّى
                                                                    وإذا القَوْمُ لمْ يُرَاحُوا لقُرْبي،
                                                                            كانَ لي عنهُمُ مَرَاحٌ ومَغْدى
                                                                    مَنْ مُعِيني منكمْ على ابنِ فُرَاتٍ،
                                                                            وَمُجازَاةِ مَا أنَالَ وَأسْدَى
                                                                    يَعْجِزُ الشّعْرُ عنْ مجاداةِ خِرْقِ،
                                                                            أرْيَحيّ، إذا اجْتدَيْنَاهُ أجْدَى
                                                                    كُلّما قُلْتُ أعْتَقَ المَدْحُ رِقّي،
                                                                            رَجّعَتْني لَهُ أيادِيهِ عَبْدا
                                                                    إنْ لَقِينَا بِهِ الخُطُوبَ مُشِيحاً،
                                                                            كانَ خَصْماً، على الخطوبِ، ألَدّا
                                                                    لَوْ تَعاطَى السّحابُ إدرَاكَ مَا تبْـ
                                                                            ـلُغُ آلاؤهُ لَقُلْنَا تَعَدّى
                                                                    كَرَمٌ أعْجَلَ المَوَاعِيدَ، حتى
                                                                            رَدّ فِينَا نَسِيئَةَ النّيْلِ نَقْدا
                                                                    يَسْتَضِيمُ الأنْوَاءَ جودُ كَريمٍ
                                                                            رَاحَتاهُ أطَلُّ مِنْها وَأنْدَى
                                                                    لا تَلُمْهُ على الفَعَالِ إنِ اسْتَأ
                                                                            ثَرَ شِحّاً بِسَرْوِهِ وَاسْتَبَدّا
                                                                    هِمّةٌ أنْزَلَتْهُ مَنْزِلَةَ المُو
                                                                            في على النّجْمِ مأثُرَاتٍ، ومجْدا
                                                                    لَيْسَ بالمُصْرِم المُقِلّ الّذي يُو
                                                                            جَدُ، رَبَّ أثنتي مَسَاع وَأحْدَى
                                                                    وَشَرِيفُ الأقْوَامِ، إن عُدّ فَضْلٌ
                                                                            كثُرَتْ مَأثُرَاتُهُ أن تُعَدّا
                                                                    كَمْ لَهُ منْ أبٍ يَتِيهُ بأثْوا
                                                                            بِ المَعَالي مُؤزراً وَمُرَدّى
                                                                    نَحَلَتْهُ العِرَاقُ ما كان نُحْلاً
                                                                            منْ عُمانٍ، وَمُلكِها للْجَلَنْدَى