كم بالكثيب من اعتراض كثيب - البحتري
كَمْ بالكَثيبِ من اعترَاضِ كَثِيبِ،
                                                                            وَقَوَامِ غُصْنٍ، في الثّيَابِ، رَطِيبِ
                                                                    وَبذي الأرَاكَةِ منْ مَصِيفٍ لابسٍ
                                                                            نَسْجَ الرّياحِ، وَمَرْبَعٍ مَهْضُوبِ
                                                                    دِمَنٌ لزَيْنَبَ، قَبلَ تَشرِيدِ النّوَى
                                                                            منْ ذي الأرَاكِ بزَينَبٍ، وَلَعُوبِ
                                                                    تأبَى المَنَازِلُ أنْ تُجِيبَ، وَمن جوًى
                                                                            يَوْمَ الدّيارِ دَعَوْتُ غَيرَ مُجيبِ
                                                                    هَلْ تُبْلِغَنّهُمُ السّلامَ دُجُنّةٌ،
                                                                            وَطْفَاءُ، سارِيَةٌ برِيحِ جَنُوبِ
                                                                    أوْ تُدْنيَنّهُمُ نَوازِعُ في البُرَى،
                                                                            عُجْلٌ كَوَارِدَةِ القَطا المَسرُوبِ
                                                                    فَسَقَى الغَضَا والنّازِلِيهِ، وإنْ هُمُ
                                                                            شَبّوهُ بَينَ جَوَانحٍ، وَقُلُوبِ
                                                                    وَقِصَارَ أيّامٍ بهِ سَرَقَتْ لَنَا
                                                                            حَسَنَاتُهَا منْ كاشحٍ، وَرَقِيبِ
                                                                    خضرا يساقطها الصبا وكأنها
                                                                            ورق يساقطها اهتزاز قضيب
                                                                    كانَتْ فُنُونَ بِطَالَةٍ، فتَقَطّعَتْ
                                                                            عَنْ هَجرِ غَانِيَةٍ، وَوَخْطِ مَشِيبِ
                                                                    إمّا دَنَوْتُ من السّلُوّ مُرَوّياً
                                                                            فيهِ، وَبعْتُ منَ الشّبَابِ نَصِيبي
                                                                    فَلَرُبّما لَبّيْتُ داعيَةَ الصّبَا،
                                                                            وَعَصَيْتُ من عَذْلٍ، وَمِنْ تأنِيبِ
                                                                    يَعشى عنِ المَجْدِ الغَبيُّ، وَلَنْ تَرَى
                                                                            في سُؤدَدٍ أرَباً لغَيرِ أرِيبِ
                                                                    لا تغل في جود الرجال فإنه
                                                                            لم أرضَ جوداً غير جود أديب
                                                                    والأرْضُ تُخرجُ في الوِهَادِ، وَفي الرُّبَى،
                                                                            عفو النّبَاتِ، وَجُلُّ ذلكَ يُوبي
                                                                    وإذا أبُو الفَضْلِ استَعَارَ سجيّةً
                                                                            للمَكْرُمَاتِ، فَمِنْ أبي يَعْقُوبِ
                                                                    لا يَحتَذِي خُلُقَ القَصِيّ، وَلاَ يُرَى
                                                                            مُتَشَبّهاً، في سُؤدَدٍ، بغَرِيبِ
                                                                    تُمضِي صَرِيمَتَهُ، وَتُوقِدُ رأيَهُ،
                                                                            عَزَمَاتُ جُوذَرْزٍ وَسَوْرَةُ بِيبِ
                                                                    شَرَفٌ تَتابَعَ كابِراً عَنْ كابِرٍ،
                                                                            كالرّمْحِ أُنْبُوباً عَلَى أُنْبُوبِ
                                                                    وأرَى النّجَابَةَ لا يَكُونُ تَمَامُها
                                                                            لنَجيبِ قَوْمٍ، لَيسَ بابنِ نَجِيبِ
                                                                    قَمَرٌ منَ الفتيانِ، أبيَضُ صادعٌ
                                                                            لدُجَى الزّمانِ الفاحِمِ الغِرْبيبِ
                                                                    أعيى خُطُوبَ الدّهرِ حتّى كَفّهَا
                                                                            وَالدّهْرُ سِلْكُ حَوَادثٍ وَخُطوبِ
                                                                    قل كما صدقت مخايل بارق
                                                                            يهمي، وفضل ناصع التهذيب
                                                                    وإذا اجتَدَاهُ المُجْتَدُونَ، فإنّهُ
                                                                            يَهَبُ العُلا، في نَيْلِهِ المَوْهُوبِ
                                                                    نشرت عطاياه، فَصِرْنَ قَبائلاً
                                                                            لقَبَاِئلٍ منْ زوره، وَشُعُوبِ
                                                                    كَمْ حُزْنَ من ذِكرٍ لغُفْلٍ خامِلٍ،
                                                                            وَبَنَينَ منْ حَسَبٍ لغَيرِ حَسِيبِ
                                                                    دانٍ على أيْدي العُفَاةِ، وَشَاسعٌ
                                                                            عَنْ كُلّ نِدٍّ في العلا، وَضَرِيبِ
                                                                    كالبَدْرِ أفرَطَ في العُلُوّ، وَضَوْءُهُ
                                                                            للعُصْبَةِ السّارِينَ جِدُّ قَرِيبِ
                                                                    يَهْني بَني نو بَخْتَ أنّ جيَادَهُمْ
                                                                            سَبَقَتْ إلى أمَدِ العُلا المَطْلُوبِ
                                                                    إنْ قِيلَ: رِبّعيُّ الفَخَارِ، فإنّهُمْ
                                                                            مُطِرُوا بأوّلِ ذَلكَ الشّؤبُوبِ
                                                                    أوْ تُجْتَبَى أقْلاَمُهُمْ لكتَابَةٍ،
                                                                            فَلَقَبْلُ ما كانَتْ رِمَاحُ حُرُوبِ