أكثرت في لوم المحب فأقلل - البحتري
أكْثَرْتَ في لَوْمِ المُحِبّ، فأقْلِلِ،
                                                                            وَأَمَرْتَ بالصّبْرِ الجمِيلِ، فأجْملِ
                                                                    لَمْ يَكْفِهِ نَأيُ الأحْبّةِ باللّوَى،
                                                                            حَتّى ثَنَيْتَ عَلَيْهِ لَوْمَ العُذّلِ
                                                                    قَسَمَ الصّبابَةَ فِرْقَتَيْنِ، فَشَوْقُهُ
                                                                            للظّاعِنِينَ، وَدَمْعُهُ للْمَنْزِلِ
                                                                    مُتقَسِّمُ الأحْشاءِ، يُنْشِدُ أرْبُعاً
                                                                            مُتَقَسِّماتٍ بالصَّبَا وَالشّمألِ
                                                                    حَطّتْ على تِلْكَ الأجارِعِ وَالرُّبَى
                                                                            مِنْهُنّ، أعْباءُ الغَمامِ المُثقَلِ
                                                                    وَسَرَى الرّبيعُ لهَا يُنمْنِمُ وَشْيَهَا،
                                                                            ضَرْبَيْنِ، بَينَ مُعَمَّدٍ وَمُهَلَّلِ
                                                                    وََلَرُبّ جِيدٍ وَاضِحٍ زُرْنَا بهَا،
                                                                            وَمُقَبَّلٍ عَذبٍ، وَطَرْفٍ أكْحَلِ
                                                                    مِنْ كلّ مائِلَةِ الجُفونِ إلى الكَرَى،
                                                                            عنْ طولِ ليْلِ الساهِرِ، المُتملمِلِ
                                                                    لَوْ شِئْتُ زِدْتُ الكاشِحينَ من الجوَى،
                                                                            وَوصَلْتِ خِلّةَ عاشِقٍ لَمْ توصَلِ
                                                                    أهْلاً وَسَهْلاً بالأمِيرِ مُحَمّدٍ
                                                                            بالمُقبِلِ المُوفي بِدَهْرٍ مُقْبِلِ
                                                                    أهْلاً وَسهلاً بابْنِ صالِحٍ الّذي
                                                                            بَذَّ المُلوكَ بِرَأْفَةٍ، وَتَفَضُّلِ
                                                                    بالهاشِميّ، الصَّالِحىِّ المُكْتَسي
                                                                            مِنْ فَضْلِ آصِرَةِ النّبيِّ المُرْسَلِ
                                                                    جَاءَ البَرِيدُ ِ يَهُزُّ مِنْهُ سمَاحَةً
                                                                            قُرَشِيّةً، مِثْلَ الغَمامِ المُسْبِلِ
                                                                    بَحْرٌ لِكَفِّ المُستمِيحِ المُجتَدي،
                                                                            بَدْرٌ لِعَيْنِ النّاظِرِ المُتأمّلِ
                                                                    لَوْ أنّ كَفّكَ لمْ تَجُدْ لِمُؤمِّلٍ،
                                                                            لَكَفاهُ عاجِلُ وَجْهِِكَ المُتَهَلِّلِ
                                                                    أوْ أنّ مَجْدَكَ لم يكُنْ مُتقادِماً،
                                                                            أغْنَاكَ آخِرُ سُؤدَدٍ عَنْ أوّلِ
                                                                    رَغّبْتَ قَوْماً في السّماحِ، وَأيْنَ هُمْ
                                                                            إنْ ساجَلوكَ منَ السّماكِ الأعْزَلِ
                                                                    سَامَوْكَ مِنْ حَسَدٍ فَأَفْضَل مِنْهُمُ
                                                                            غيرُ الجَوَادِ ، جادَ غيْرُ المُفضِلِ
                                                                    فبذَلْتَ فِينَا ما بذَلْتَ سَماحَةً،
                                                                            وتَكَرّماً، وَبَذَلْتَ ما لمْ يُبْذَلِ
                                                                    وَتنَفَّسَتْ بكَ في المَكارِم هِمّةٌ،
                                                                            نَزلَتْ مِنَ العَلْياءِ أرْفَعَ منزِلِ
                                                                    أَدْركْتَ ما فاتَ الكُهولَ مِن الحِجى
                                                                            في عُنْفُوَانِ شَبابِكَ المُستَقبِلِ
                                                                    فإذا أمَرْتَ، فما يُقالُ لكَ اتّئِدْ،
                                                                            وَإذا قَضَيْتَ فما يُقالُ لك اعْدِلِ
                                                                    جُزْتَ الفُرَاتَ إلى الشّآمِ بِرَاحَةٍ
                                                                            أرْبَتْ على مَدّ الفُرَاتِ المُعجِلِ
                                                                    وَغَدَوْتَ في فَلَقِ الصّباحِ بِغُرّةٍ،
                                                                            زَادَتْ على ضَوْءِ الصّباحِ المُنجَلي
                                                                    اللهُ اَعْطانَا المُنَى، فََقدِمتَ أسْـ
                                                                            ـعَدَ مَقْدَمٍ، وَدَخلتَ أيمنَ مَدخلِ
                                                                    فالمَنُّ فِيكَ، وفي مجِيئِكَ سالماً،
                                                                            لله ثُمّ القائِمِ المُتَوَكِّلِ