أأخي نهنه دمعك المسفوكا - البحتري
أأُخَيّ! نَهْنِهْ دَمْعَكَ المَسْفُوكا،
                                                                            إنّ الحَوَادِثَ يَنْصَرِمْنَ وَشِيكا
                                                                    ما أذْكَرَتْكَ بمُترِحٍ صِرْفِ الجوَى،
                                                                            إلاّ ثَنَتْهُ بِمُفْرِحٍ يُنْسيكَا
                                                                    ألدّهرُ أنصَفُ منكَ في أحكامِهِ،
                                                                            إذْ كانَ يأخُذُ بَعضَ ما يُعطيكَا
                                                                    وَقلَيلُ هَذا السّعيِ يُكسِبُكَ الغِنى،
                                                                            إنْ كَانَ يُغْنيكَ الذي يَكْفيكَا
                                                                    نَلْقَى المَنُونَ حَقَائقاً، وَكَأنّنا
                                                                            مِنْ غِرّةٍ نَلْقَى بهِنّ شُكُوكا
                                                                    لا تَرْكَنَنّ إلى الخُطُوبِ، فإنّها
                                                                            لَمعٌ يَسُرُّكَ تَارَةً وَيَسُوكا
                                                                    هَذا سُلَيمانُ بنُ وَهْبٍ، بَعْدَمَا
                                                                            طَالَتْ مَسَاعيهِ النّجُومَ سُمُوكَا
                                                                    وَتَنَصّفَ الدّنْيا يُدَبّرُ أمْرَهَا،
                                                                            سَبْعِينَ حوْلاً قَدْ تَمَمْنَ دكيكَا
                                                                    أغْرَتْ بهِ الأقْدارُ بَغْتَ مُلِمّةٍ،
                                                                            ما كانَ رَسُّ حَديثِها مَأفُوكَا
                                                                    فكَأنّمَا خَضَدَ الحِمَامُ، بيَوْمِهِ،
                                                                            غُصْناً بمُنْخَرَقِ الرّيَاحِ نَهيكَا
                                                                    بَلّغْ عُبَيْدَ الله فَارِعَ مَذْحِجٍ
                                                                            شَرَفاً، وَمُعطَى فَضْلِها تَمليكَا
                                                                    مَا حَقُّ قَدْرِكَ أنْ أُحَمِّلَ مُرْسَلاً
                                                                            غَيرِي آلَيكَ، وَلَوْ بَعُدْتُ ألُوكَا
                                                                    كُلُّ المَصَائبِ، ما بَقيتَ، نَعُدُّهُ
                                                                            حَرضاً يزَِكُّ عنِ النّفوسِ رَكيكَا
                                                                    أنْتَ الذي لوْ قيلَ للجُودِ اتّخِذْ
                                                                            خِلاًّ، أشَارَ إلَيكَ، لا يَعدُوكَا
                                                                    وَكأنّمَا آلَيْتَ وَالمعْرُوفَ، لا
                                                                            تَألُوُهُ مُصْطَفياً، وَلا يَألُوكَا
                                                                    إنّ الرّزِيَّةَ في الفَقيدِ، فإنْ هَفَا
                                                                            جَزَعٌ بصَبرِكَ، فالرّزِيئَةُ فيكَا
                                                                    وَمَتى وَجَدْتَ النّاسَ، إلاّ تَارِكاً
                                                                            لحَميمِهِ في التُّرْبِ، أوْ مَترُوكَا
                                                                    بَلَغَ الإرَادَةَ إنْ فَداكَ بِنَفْسِهِ،
                                                                            وَوَدِدْتَ لَوْ تَفْديهِ لا يَفْديكَا
                                                                    لَوْ يَنْجَلي لكَ ذُخْرُها مِنْ نَكبَةٍ
                                                                            جَلَلٍ، لأضْحَكَكَ الذي يُبكيكا
                                                                    وَلحَالَ كُلُّ الحَوْلِ، من دونِ الذي
                                                                            قَد باتَ يُسخِطُكَ الذي يُرْضِيكا
                                                                    ما يَوْمُ أُمّكَ، وَهْوَ أرْوَعُ نَازِلٍ
                                                                            فَاجَاكَ، إلاّ دُونَ يَوْمِ أبيكا
                                                                    كَلْمٌ أُعِيدَ على حَشَاكَ، وَلَمْحَةٌ
                                                                            مِمّا عَهِدْتَ الحَادِثاتِ تُريكَا
                                                                    وَفَجيعَةُ الأيّامِ قِسْمٌ سُوّيَتْ
                                                                            فيهِ البرِيّةُ: سُوقَةٌ وَمُلُوكا
                                                                    عِبْْْْْءٌ تَوَزَّعَهُ الأَنامُ يُخِفُّهْ
                                                                            أَلاَّ تَزالَ تُصِيبُ فيه شَريكَا