أتراه يظنني أو يراني - البحتري
أتَرَاهُ يَظُنُّني، أوْ يَرَانِي،
                                                                            نَاسِياً عَهْدَهُ الذي استَرْعَاني ؟
                                                                    لا وَمَنْ مَدّ غَايَتي في هَوَاهُ،
                                                                            وَبَلاني مِنْهُ بِما قَدْ بَلاَني
                                                                    سَكَنٌ يَسْكُنُ الفؤَادَ عَلَى مَا
                                                                            فيهِ مِنْ طَاعَةٍ، وَمن عِصْيانِ
                                                                    شَدّ ما كَثّرَ الوُشَاةُ وَلاَمَ الـ
                                                                            ـنّاسُ في حُبّ ذَلِكَ الإنْسَانِ
                                                                    أيّهَا الآمِرِي بتَرْكِ التّصَابي،
                                                                            رُمْتَ منّي ما لَيسَ في إمْكاني
                                                                    خَلِّ عَنّي، فَما إلَيكَ رَشَادي
                                                                            من ضَلالي، وَلا عَلَيكَ ضَمَاني
                                                                    وَنَدِيمٍ، نَبّهْتُهُ وَدُجَى اللّيْـ
                                                                            ـلِ، وَضَوْءُ الصّبَاحِ يَعتَلِجَانِ
                                                                    قُمْ نُبَادِرْ بهَا الصّيَامَ فَقَدْ أقْـ
                                                                            ـمَرَ ذَاكَ الهِلاَلُ مِنْ شَعْبَانِ
                                                                    بِنتُ كَرْمٍ يَدْنُو بها مُرْهَفُ القَدّ
                                                                            غَرِيرُ الصّبَا خَضِيبُ البَنَانِ
                                                                    أُرْجُوَانِيّةٌ، تُشَبَّهُ في الكَا
                                                                            سِ بِتُفّاحِ خَدّهِ الأُرْجُوَانِي
                                                                    بَاتَ أحْلى لَدَيّ مِنْ سِنَةِ النّوْ
                                                                            مِ، وأشهَى من مُفرِحَاتِ الأمَاني
                                                                    للإمَامِ المُعْتَزّ بالله إعْزَا
                                                                            رٌ مِنَ الله قاهِرِ السّلْطانِ
                                                                    مَلِكٌ يَدْرَأُ الإسَاءَةَ بالعَفْـ
                                                                            ـوِ وَيَجْزِي الإحسانَ بالإحسانِ
                                                                    سَلْ به تُخْبَرِ العَجيبَ، وإن كا
                                                                            نَ السّماعُ المأثُورُ دونَ العِيَانِ
                                                                    وَتأمّلْهُ مِلْءَ عَيْنَيْكَ، فانظرْ
                                                                            أيَّ رَاضٍ في الله، أوْ غَضْبَانِ
                                                                    بَسْطَةٌ تُرْهِقُ النّجُومَ، وَمَلْكٌ
                                                                            عَظُمَتْ فيهِ مأثُرَاتُ الزّمَانِ
                                                                    أذْعَنَ النّاكِثُونَ إذْ ألقَتِ الحَرْ
                                                                            بُ عَلَيهمْ بكَلْكَلٍ وَجِرَانِ
                                                                    فَفُتُوحٌ يَقصُصْنَ، في كلّ يَوْمٍ،
                                                                            شأنَ قَاصٍ من الأعادي وَدانِ
                                                                    كلُّ رَكّاضَةٍ منَ البُرْدِ يَغدُو الـ
                                                                            ـرّيشُ أوْلى بها مِنَ العُنْوَانِ
                                                                    قد أتَانَا البَشِيرُ عَنْ خَبَرِ الخَا
                                                                            بُورِ بالصّدْقِ، ظاهِراً، والبَيَانِ
                                                                    عَنْ زُحُوفٍ منَ الأعادي وَيَوْمٍ
                                                                            مِنْ أبي السّاجِ فيهِمِ، أرْوَنَانِ
                                                                    حُشِدَتْ مَرْبَعَاءُ فيهِ وَمَرْدٌ،
                                                                            وَقُصُورُ البَلّيخِ والمَازِجانِ
                                                                    وَتَوَافَتْ حَلائِبُ السَّلْطِ والمَرْ
                                                                            جَينِ مِنْ دَابِقٍ، وَمن بَطْنانِ
                                                                    تَتَثَنّى الرّماحُ، والحَرْبُ مَشْبُو
                                                                            بٌ لَظَاهَا تَثَنّيَ الخَيْزُرَانِ
                                                                    كُلّمَا مَالَ جَانِبٌ من خَمِيسٍ،
                                                                            عَدّلَتْهُ شَوَاجِرُ الخِرْصَانِ
                                                                    فَلَجَتْ حُجَّةُ المَوَالِي ضِرَاباً
                                                                            وطِعَاناً لَمَّا الْتَقَى الخَصْمَانِ َ
                                                                    فَقَتِيلٌ تَحتَ السّنَابِكِ يُدْمَى،
                                                                            وأسِيرٌ يُرَاقِبُ القَتْلَ، عَانِ
                                                                    لمْ تَكُنْ صَفْقَةُ الخِيَارِ عَشِيّاً
                                                                            لابنِ عَمْرٍو فيها، ولا صَفْوَانِ
                                                                    جَلَبَتْهُمْ، إلى مَصَارِعِ بَغْيٍ،
                                                                            عَثَرَاتُ الشّقَاءِ، والخِذْلانِ
                                                                    أسَفاً للحُلُومِ كَيفَ استَخَفّتْ،
                                                                            بِغُلُوِّ الإسْرَافِ والطّغْيَانِ
                                                                    كَيفَ لمْ يَقْبَلُوا الأمَانَ وَقَدْ كا
                                                                            نَتْ حَيَاةٌ لمِثْلِهِمْ في الأمَانِ
                                                                    يا إمَامَ الهُدَى نُصِرْتَ، ولا زِلْـ
                                                                            ـتَ مُعَاناً باليُمْنِ والإيمَانِ
                                                                    عَزّ دينُ الإلَهِ في الشَّرْقِ والغَرْبِ
                                                                            بِبِضِ الأَيَّامِ مِنْكَ الحِسَانِ
                                                                    واضْمَحَلَّ الشِّقَاقُ في الأرْضِ مُذْ طَا
                                                                            عَ لكَ المَشْرِقَانِ والمَغْرِبَانِ
                                                                    لمْ تَزَلْ تَكْلأُ البلادَ بقَلْبٍ
                                                                            ألْمَعيٍّ، وَنَاظِرٍ يَقْظَانِ
                                                                    إِنَّما يَحْفَظُ الأُمُورَ ويُتْوِيــ
                                                                            ــهِنَّ بِحَزْمٍ مُواشكٍ أَو تَوَانِ
                                                                    مَا تَوَلّى قَلْبي سِواكُمْ، وَلاَ ما
                                                                            لَ إلى غَيْرِكمْ بمَدْحٍ لِسَاني
                                                                    شأنيَ الشّكْرُ والمَحَبّةُ مُذْ كُنْـ
                                                                            ـتُ وَحَقٌّ عَلَيْكَ تَعظيمُ شَاني
                                                                    ضَعَةٌ بي، إنْ لمْ أنَلْ بِمَكَاني
                                                                            مِنْكَ عِزّاً، مُسْتأنِفاً في مَكاني