ظلم الدهر فيكم وأساء - البحتري
ظَلَمَ الدّهْرُ فيكُمُ، وَأسَاءَ،
                                                                            فَعَزَاءً، بَني حُمَيْدٍ، عَزَاءَ
                                                                    أنْفُسٌ مَا تَكادُ تُفْقَدُ فَقْداً،
                                                                            وَصُدورٌ مَا تَبرَحُ البُرَحَاءَ
                                                                    أصْبَحَ السّيفُ داءَكمْ، وَهوَ الدّا
                                                                            ءُ الذي لا يَزَالُ يُعيي الدّوَاءَ
                                                                    وَانْتُحِي القَتْلُ فيكُمُ، فبَكَينا
                                                                            بدِمَاءِ الدّمُوعِ تِلْكَ الدّمَاءَ
                                                                    يا أبَا القَاسِمِ المُقَسَّمَ في النَجْـ
                                                                            ـدةِ، الجُودِ وَالنّدى أجزَاءَ
                                                                    وَالهِزَبْرَ الذي، إذا دارَتِ الحَرْ
                                                                            بُ بهِ صرّفُ الرّدى كَيفَ شاءَ
                                                                    الأسَى وَاجِبٌ عَلى الحُرّ، إمّا
                                                                            نِيّةً حُرّةً، وَإمَّا رِيَاءَ
                                                                    وَسَفَاهٌ أنْ يَجزَعَ المَرْءُ مِمّا
                                                                            كانَ حَتْماً عَلى العِبَادِ، قضَاءَ
                                                                    وَلماذا تَتّبِعُ النّفْسَ شَيْئاً،
                                                                            جعَلُ الله الفِرْدوْسَ منهُ بَوَاءَ
                                                                    أتُبَكّي مَنْ لا يُنَازِلُ بالسّيْـ
                                                                            ـفِ مُشيحاً، وَلا يَهزُّ اللّوَاءَ
                                                                    وَالفَتى مَنْ رَأى القُبُورَ لمَا طَا
                                                                            فَ بهِ مِنْ بَنَاتِهِ، أكْفَاءَ
                                                                    لسن من زينة الحياة كعد الـ
                                                                            ـله منها الأموال والأبناء
                                                                    قَدْ وَلَدْنَ الأعْداءَ قِدْماً، وَوَرّثْـ
                                                                            ـنَ التّلادَ الأقاصِيَ البُعَدَاءَ
                                                                    لمْ يَئِدْ كُثرَهُنّ قَيْسُ تَميمٍ،
                                                                            عَيْلَةً بَلْ حَمِيّةً وَإبَاءَ
                                                                    وَتَغَشّى مُهَلْهِلَ الذّلُّ فيهِنّ
                                                                            وَقَدْ أُعْطيَ الأدِيمَ حِبَاءَ
                                                                    وَشَقيقُ بنُ فَاتِكٍ، حَذَرَ العَا
                                                                            رِ عَلَيْهِنّ، فَارَقَ الدّهْنَاءَ
                                                                    وَعَلى غَيرِهِنّ أُحْزِنَ يَعْقُو
                                                                            بٌ، وَقَد جاءَهُ بَنُوهُ عِشَاءَ
                                                                    وَشُعَيْبٌ مِنْ أجلِهِنّ رَأى الوَحْـ
                                                                            ـدَةَ ضُعْفاً، فاستأجَرَ الأنْبِيَاءَ
                                                                    وَاستَزَلّ الشّيْطانُ آدَمَ في الجنّةِ
                                                                            لَمّا أغْرَى بِهِ حَوّاءَ
                                                                    وَتَلَفّتْ إلى القَبَائِلِ، فَانْظُرْ
                                                                            أُمّهَاتٍ يُنْسَبْنَ أمْ آبَاءَ
                                                                    وَلَعَمْرِي ما العَجزُ عنديَ، إلاّ
                                                                            أنْ تَبيتَ الرّجالُ تَبكي النّساءَ