إنك والاحتفال في عذلي - البحتري
إنّكَ والاحتِفالَ في عَذَلي،
                                                                            غَيرُ مُقيمِ زَيْغي، وَلاَ مَيَلي
                                                                    بلى، إنِ اسطَعتَ أوْ قدَرْتَ فخُذْ
                                                                            مِنْ خابِلٍ سَلْوَةً لمُخْتَبَلِ
                                                                    إنّ الغَوَانِي رَدَدْنَ خَائِبَةً
                                                                            رَسَائِلِي، واعتَذَرْنَ مِنْ رُسُلي
                                                                    لنَبْوَةٍ بي عَنِ الصّبَا ثَلَمَتْ
                                                                            جاهيَ، أوْ كَبرَةٍ عَنِ الغَزَلِ
                                                                    مِنْ خَيْرِ ما أسعَفَ الزّمانُ بهِ،
                                                                            وَنحنُ مِنْ مَنعِهِ عَلى وَجَلِ
                                                                    يَوْمٌ بِغُمّى تُجْلَى بطَلْعَتِهِ الـ
                                                                            ـغُمّاءُ، أوْ لَيْلَةٌ بِقُطْرَبُّلِ
                                                                    يَصْفَرُّ صِبغُ الكؤوسِ للسُّكْرِ، أوْ
                                                                            يَحْمَرُّ صِبُغُ الخُدودِ للخَجَلِ
                                                                    ليَذْهَبِ الغَيُّ، حَيْثُ طِيّتُهُ،
                                                                            ما سُبُلُ الغَيّ بَعدُ مِنْ سُبُلي
                                                                    آسَى على فائِتِ الشّبابِ، وَمَا
                                                                            أنْفَقْتُ مِنْهُ في الأعْصُرِ الأُوَلِ
                                                                    وَمُخْتَشٍ للهِجاءِ قُلْتُ لَهُ،
                                                                            وَخَافَ عندي جَريرَةَ البُخُلِ
                                                                    وِدّيَ لوْ قد كُفيتَ ما قِبَلَ الدّهْـ
                                                                            ـرِ كَما قَدْ كُفيتَ ما قِبَلي
                                                                    حَسْبُكَ أنْ تُحرَمَ المَديحَ، وَمَا
                                                                            يؤْثِرُ مِنْ شاهِدٍ، وَمِنْ مَثَلِ
                                                                    أغْنَانيَ الله بالكَثِيرِ، وَمَا
                                                                            أغْنَى عَنِ الأدْنِيَاءِ والسُّفُلِ
                                                                    يَكفيكَ من ثَرْوَةٍ مَبيتُكَ مِنْ
                                                                            سَيْبِ أبي عَامِرٍ عَلَى أمَلِ
                                                                    تَسْهُلُ أخْلاَقُهُ، وَنَحْنُ عَلى
                                                                            حالٍ من الدّهْرِ وَعْرَةِ الحِيَلِ
                                                                    تَحْتَلُّ مَرْفُوعَةً أَرُومَتُهُ
                                                                            مِنْ وَائِلٍ في الرِّعَانِ، والقُلَلِ
                                                                    إنْ تُعْطَ مَرْضَاتَهُ وَتُحْرَمْ رَذا
                                                                            ذَ الغَيثِ أوْ وَبْلَهُ، فلا تُبَلِ
                                                                    أجلى لَنَا العَسْكَرَانِ عَنْ قَمَرٍ
                                                                            مُلْتَبِسٍ بالسّعُودِ، مُتّصِلِ
                                                                    أشوَسَ لا يَلبَسُ الخَليلَ على
                                                                            عَمْدِ التّكَفّي، وَكَثرَةِ الزَّلَلِ
                                                                    لا يَخْلِطُ الغَدْرَ بالوَفَاء ، وَلاَ
                                                                            يبيعُ إِلْفَ الخُلاَّنِ بالمَلَل
                                                                    يَشغَلُني وَصْفُ ما يَبينُ بهِ،
                                                                            فَكُلَّ يَوْمٍ يَزِيدُ في شُغُلي
                                                                    حانَ وَداعٌ مِنّا تَشيدُ بهِ
                                                                            نُعْمَى مُقِيمٍ، وَحَمْدُ مُرْتَحِلِ
                                                                    فاسْلَمْ مُوَقّى منَ الحَوَادِثِ في
                                                                            سِترٍ مُغَطًّى عَلَيْكَ، مُنسَدِلِ
                                                                    وَلاَ تَزَلْ تَغْمرُ الوَرَى بنَدًى
                                                                            مُؤتَنَفٍ مِن يَدَيكَ، مُقتَبَلِ