سَرَتْ وَجِنْحُ اللَّيْلِ غِرْبيبُ - الأبيوردي
سَرَتْ وَجِنْحُ اللَّيْلِ غِرْبيبُ
                                                                            سِرْبٌ مِنَ البِيضِ رَعابِيبُ
                                                                    يَعْثُرْنَ في ذَيْلِ الدُّجى إذْ ضَفا
                                                                            لَها عَلَيْهِنَّ جَلابيبُ
                                                                    وَكُلُّ سِرٍّ رُمْنَ كِتْمانَهُ
                                                                            نَمَّ بِهِ الحَلْيُ أَوِ الطِّيبُ
                                                                    طَرَقْنَنا والرَّكْبُ غِيدُ الطُّلى
                                                                            تَخْدي بِنا العيسُ المَطاريبُ
                                                                    ونحنُ بِالجَرْعاءِ مِنْ عالِجٍ
                                                                            حَيْثُ تُطيلُ الحَنَّة َ النِّيبُ
                                                                    فَقُلْنَ إذ أَبْصَرْنَني باسِماً
                                                                            حينَ زَوى الأوْجُهَ تَقْطيبُ
                                                                    أَيَّ هُمامٍ مِنْكَ قَدْ رَشَّحَتْ
                                                                            لِلْمَجْدِ آباءٌ مَناجِيبُ
                                                                    فَدَأبُهُ، وَالصَّبْرُ مِنْ خِيمِهِ
                                                                            سُرى ً يُعَنِّيهِ وَتَأْويبُ
                                                                    يَجوبُ بِيداً غَيْرَ مَقْروعَة ٍ
                                                                            لِلسَّيْرِ فيهِنَّ الظَّنابيبُ
                                                                    فليتَ شِعْري هل أَزورُ الحِمى
                                                                            أَمْ هَلْ يَروعُ الثُّلَّة َ الذِّيبُ
                                                                    وَالشَّمسُ أَخْبى اللَّيلُ أَنْوارَها
                                                                            وَالكَوْكَبُ الأَزْهَرُ مَشْبوبِ
                                                                    في غِلْمة ٍ مُرْدٍ تَمَطّى بِهِمْ
                                                                            إلى الوَغى جُرْدٌ سَراحيبُ
                                                                    خَيْلٌ عِرابٌ فَوْقَ أَثْباجِها
                                                                            في حَوْمَة ِ الحَرْبِ أَعاريبُ
                                                                    مِنْ كُلِّ مَلْبونٍ سَليمِ الشَّظى
                                                                            حابي القُصَيْرَى ، فيهِ تَحُنيبُ
                                                                    يُكِلُّ وَفْدَ الرِّيحِ إنْ هَزَّ مِنْ
                                                                            عِطْفَيْهِ إرْخاءٌ وَتَقَرْيبُ
                                                                    وَكُلَّ يَوْمٍ مِنْ قِراعِ العِدا
                                                                            لَبانُهُ بِالدَّمِ مَخْضوبُ
                                                                    يَعْدو بِمَرْهُوبِ الشَّذا، يُتَّقَى
                                                                            بِهِ الرَّدَى ، وَالبَأْسُ مَرْهُوبُ
                                                                    في فِتْيَة ٍ تَسْحَبُ سُمْرَ القَنا
                                                                            بِحَيْثُ ذَيْلُ النَّقْعِ مَسْحوبُ
                                                                    مَدَّ قِوامُ الدِّينِ أَبْواعَهُمْ
                                                                            إلى العُلا ، وَالعِزُّ مَطْلوبُ
                                                                    أَرْوَعُ يَنْميهِ أَبٌ ماجِدٌ
                                                                            إِلَيْهِما السُّؤْدَدُ مَنْسوبُ
                                                                    مُقْتَبِلُ السِّنِّ، عَقيدُ النُّهى َ
                                                                            تَقْصُرُ عَنْ غايَتِهِ الشِّيبُ
                                                                    وَالمُلْكُ لا يَحمِلُ أَعباءهُ
                                                                            مَنْ لَمْ تُهَذِّبْهِ التَّجاريبُ
                                                                    وَاحتَوَشَتْهُ نُوَبٌ لِلفْتَى
                                                                            فيهِنَّ تَصْعيدٌ وَتَصْويبُ
                                                                    غَمْرُ النَّدى ، لَمْ يَحْتَضِنْ سَمْعَهُ
                                                                            في جُودِهِ عَذْلٌ وَتَأْنيبُ
                                                                    مُوَطَّأْ الأَكْنافِ، أَبوابُهُ
                                                                            لَهُنَّ بِالزّائِرِ تَرْحيبُ
                                                                    فَلا القِرى نَزْرٌ، ولا المُجْتَلَى
                                                                            جَهْمٌ ، وَلا النّائِلُ مَحْسوبُ
                                                                    كَالزَّهْرِ المَطْلولِ أَخْلاقُهُ
                                                                            وَالرَّوْضُ مَشْمولٌ وَمَجْنوبُ
                                                                    وَهْوَ غَمامٌ خَضِلٌ، فَالحيا
                                                                            مُنْتَظَرٌ منهُ وَمَرْقوبُ
                                                                    شَيَّدَ ما أَثَّلَ مِنْ مَجْدِهِ
                                                                            وَالمَجْدُ مَوْروثٌ وَمَكْسوبُ
                                                                    بِنائِلٍ يُمْتارُ مِنْهُ الغِنى
                                                                            لَهُ على العافي شَآبيبُ
                                                                    وَعَزمَة ٍ نالَ بِها ما ابْتَغى
                                                                            مِنَ العِدا، وَالسَّيْفُ مَقْروبُ
                                                                    وَالسُّمْرُ لَمْ تَكْلَفْ بِلَيّاتِهِمْ
                                                                            راعِفَة ً مِنْها الأنابيبُ
                                                                    هذا وَكَمْ مِنْ غَمْرَة ٍ خاضَها
                                                                            فيها نَقيعُ السُّمِّ مَشْروبُ
                                                                    لِلأَسْلِ اللُّدْنِ بِأَرْجائِها
                                                                            وَالخَيْلُ أُخْدودٌ وَأُلْهوبُ
                                                                    واللّهُ يُعْلي رايَة ً ، نَصْرُها
                                                                            بِرَأْيِهِ الثَّاقِبِ مَعْصوبُ
                                                                    فَحِلْمُ مَنْ ساوَرَهُ عازِبٌ
                                                                            وَلُبُّ مَنْ عاداهُ مَسْلوبُ
                                                                    وَالجَهْلُ يُغْريِهِ على غِيِّهِ
                                                                            بِهِ ، وَقِرْنُ الدَّهْرِ مَغْلوبُ
                                                                    أَلْقى مَقالِيدَ الوَرى عَنْوَة ً
                                                                            إليهِ تَرْهيبٌ وَتَرْغيبُ
                                                                    يَفْرُشُهُمْ عَدْلاً وَأَمْناً فَلا
                                                                            يُحَسُّ مَظْلومٌ وَمَرْعوبُ
                                                                    يا مَنْ عَلَيْهِ أَمَلي حَائِمٌ
                                                                            وَمَنْ إليهِ الحَمْدُ مَجْلوبُ
                                                                    يَفْديكَ مَنْ شَدَّ على مالِهِ
                                                                            وِكاءَهُ ، والعِرْضُ مَنْهوبُ
                                                                    لَهُ عِشارٌ ليْسَ تُدْمَى لَها
                                                                            في نَدْوَة ِ الحَيِّ عَراقيبُ
                                                                    يُطْنِبُ هاجِيِهِ وَلا يَتَّقي
                                                                            إثماً، وفي تَقْريظِهِ حُوبُ
                                                                    فَهَجْوُهُ صِدقٌ، وفي مَدْحِهِ
                                                                            تَكْبُو بَمُطْريهِ الأَكاذيبُ
                                                                    وَالسَّبُّ يَلْتَفُّ بِذي ثَرْوَة ٍ
                                                                            يَشِحُّ وَالباخِلُ مَسْبوبُ
                                                                    فَما لأَيَّامي تَهَضَّمْنَني
                                                                            وَالسَّيْفُ دونَ الضَّيْمِ مَرْكوبُ
                                                                    غَرَّبْنَني عن وَطَني ضَلَّة ً
                                                                            وَالوَطَنُ المَأْلوفُ مَحْبُوبُ
                                                                    وَطَبَّقَ الآفاقَ ذِكري، فَلَمْ
                                                                            يُخْمِلْهُ إجْلاءٌ وتَغْريبُ
                                                                    وَالعَيْشُ في ظِلِّكَ حُلْوُ الجَنى
                                                                            كَأَنَّهُ بِالأَرْيِ مَقْطوبُ
                                                                    فَلا فُؤادي لِلنَّوى خافِقٌ
                                                                            وَجْداً، وَلا دَمْعي مَسْكوبُ
                                                                    وَكَيْفَ يَشْكو الدَّهْرُ مَنْ شِعْرُهُ
                                                                            عَلى جَبينِ الدَّهْرِ مَكْتُوبُ