يارُبَّ مَجْلِسِ فِتْيانٍ سمَوْتُ له، - أبو نواس
يارُبَّ مَجْلِسِ فِتْيانٍ سمَوْتُ له،
                                                                            وَاللّيلُ مُحتَبِسٌ في ثوْب ظلماءِ
                                                                    لِشُرْبِ صافية ٍ من صَدْرِ خابيَة ٍ
                                                                            تَغْشى عيونَ نَداماها بلألاءِ
                                                                    كأنّ مَنْظَرَها، والماءُ يقرَعُها،
                                                                            ديباجُ غانيَة ٍ ، أو رقْمُ وَشّـاءِ
                                                                    تَستنّ من مَرحٍ، في كفّ مُصْطبحٍ
                                                                            من خمر عانة َ، أوْ من خمر سُوراءِ
                                                                    كأنّ قَرْقَرَة َ الإبريق بَيْنَهُمُ
                                                                            رجْعُ المَزَامير، أو تَرْجيعُ فأفاءِ
                                                                    حتى إذا درَجتْ في القوْم، وَانتشرَتْ
                                                                            همّتْ عيونُهُمُ منها بإغفاءِ
                                                                    سألتُ تاجرها: كم ذا لعاصرها ؟
                                                                            فقال: قصّر عَن هذاكَ إحصائي
                                                                    أُنْبِئْتُ أنّ أبا جدي تخَيَّرَها
                                                                            من ذُخر آدَمَ، أوْ من ذخر حوّاءِ
                                                                    ما زالَ يمطُلُ مَن يَنتابُ حانَتَها
                                                                            حتى أتَتْني وكانت ذخر موتائي
                                                                    و نحن بين بساتينٍ ، فَتَنْفَحُنا
                                                                            ريحَ البنفسَج، لا نَشرَ الخزاماءِ
                                                                    يسعى بها خَنِثٌ ، في خُلقِهِ دَمَثٌ ،
                                                                            يستأثرُ العَينَ في مُستَدرج الرّائي
                                                                    مقرَّطٌ، وافرُ الأرْداف، ذو غُنُجٍ
                                                                            كأنّ في راحَتَيْه وَسْمَ حِنـّاءِ
                                                                    قد كسّرَ الشّعرَ واواتٍ، وَنَضّدَهُ
                                                                            فوقَ الجَبين . وردّ الصّدغَ بالفاء
                                                                    عيناهُ تقْسمُ داءً في مجاهرها
                                                                            وَ رُبّما نَفَعَتْ مِن صوْلة الدّاء
                                                                    إنّي لأشرَبُ مِن عَيْنَيه صافيـة ً
                                                                            صِرْفاً، وَأشرَبُ أُخرَى معْ ندامائي
                                                                    وَلائِمٍ لامَني جَهْلاً، فقلتُ لهُ:
                                                                            إنّي وَعَيشِكَ مشغوفٌ بمولائي