ألم يك جهلا بعد ستين حجة - الفرزدق
ألَمْ يَكُ جَهْلاً بَعْدَ سِتّينَ حِجّةً
                                                                            تَذَكُّرُ أُمِّ الفَضْلِ وَالرّأسُ أشْيَبُ
                                                                    وَقيلُكَ: هَلْ مَعرُوفُها رَاجعٌ لَنا،
                                                                            وَلَيْسَ لشيءٍ قَد تَفاوَتَ مَطلَبُ
                                                                    عَلى حِينَ وَلى الدّهْرُ إلاّ أقَلّهُ،
                                                                            وكادَتْ بَقايا آخِرِ العَيشِ تَذهَبُ
                                                                    فَإنْ تُؤذِنينا بالفِرَاقِ، فَلَسْتُمُ
                                                                            بِأوّلِ مَنْ يَنْأى وَمَنْ يَتَجَنّبُ
                                                                    وكَمْ من حَبيبٍ قَد تَناسَيتُ وَصْلَهُ
                                                                            يَكادُ فُؤادي، إثْرَهُ، يَتَلَهّبُ
                                                                    ألَسنا بمحقوقِينَ أنْ نُجهِدَ السُّرَى،
                                                                            وَأنْ يُرْقِصَ التالي لَنا وَهوَ مُتعَبُ
                                                                    إلى خَيرِ مَنْ تَحْتَ السّماءِ أمانَةً،
                                                                            وَأوْلاهُ بالحَقّ الذي لا يُكَذَّبُ
                                                                    تُعارِضُ باللّيْلِ النّجُومَ رِكَابُنا،
                                                                            وَبالشمسِ حتى تأفلَ الشمسُ تُذأبُ
                                                                    أُنِيخَتْ وَما تَدْرِي أما في ظُهورِها
                                                                            مِنَ القَرْحِ أمْ ما في المَناسِمِ أنْقَبُ
                                                                    حَلَفتُ بأيدي البُدنِ تَدمى نُحورُها
                                                                            نَهاراً وَما ضَمّ الصِّفَاحُ وَكَبْكَبُ
                                                                    لأُمٌّ أتَتْنَا بِالوَلِيدِ خَلِيفَةً،
                                                                            من الشمسِ، لوْ كانَ ابنُها البدرُ، أنجبُ
                                                                    وَإنْ شِئتَ مِن عَبسٍ بِكَ مِنْهُمُ
                                                                            أبٌ لكَ طَلاّبُ التّرَاثِ مَطالِبُ
                                                                    وَمن عَبدِ شَمسٍ أنتَ سادِسُ ستّةٍ
                                                                            خَلائِفَ كانوا منِهُمُ العمُّ والأبُ
                                                                    هُداةً وَمَهْدِيّينَ، عُثمانُ منِهُمُ،
                                                                            وَمَرْوَانُ وَابنُ الأبْطَحَينِ المُطَيَّبُ
                                                                    أبُوكَ الذي كانتْ لُؤيُّ بن غالِبٍ
                                                                            لَهُ من نَوَاصِيها الصّرِيحُ المُهذَّبُ
                                                                    تَصَعّدَ جَدٌّ بالوَليدِ إلى التي
                                                                            أرَى كُلَّ جَدٍّ دُونَهَا يَتَصَوّبُ
                                                                    أرَى الثّقَلَينِ الجِنَّ والإنْسَ أصْبَحا
                                                                            يَمُدّانِ أعْنَاقاً إلَيْكَ تَقَرَّبُ
                                                                    وَمَا مِنْهُما إلاّ يُرَجّي كَرَامَةً
                                                                            بكَفّيكَ أوْ يَخَشَى العِقابَ فيَهرُبُ
                                                                    وَمَا دُونَ كَفيْكَ انْتِهَاءٌ لِرَاغِبٍ
                                                                            وَلا لمُنَاهُ مِنْ وَرَائِكَ مَذْهَبُ