تذكر هذا القلب من شوقه ذكرا - الفرزدق
تَذَكّرَ هذَا القلبُ منْ شَوْقِهِ ذِكَرَا،
                                                                            تَذَكّرَ شَوْقاً لَيْسَ نَاسِيَهُ عَصْرَا
                                                                    تَذَكّرَ ظَمْيَاءَ الّتي لَيْسَ نَاسِياً،
                                                                            وَإنْ كانَ أدْنَى عَهدِهَا حِججاً عشرَا
                                                                    وَمَا مُغْزِلٌ بِالغَوْرِ غَوْرِ تِهَامَةٍ
                                                                            تَرَعّى أرَاكاً مِنْ مَخارِمِها نَضْرَا
                                                                    مِنَ العُوجِ حَوّاءَ المَدامعِ تَرْعَوِي
                                                                            إلى رَشَأٍ طِفْلٍ تَخالُ بهِ فَتْرَا
                                                                    أصَابَتْ بِأعلى الوَلْوَلانِ حِبَالَةً،
                                                                            فما استَمسكَتْ حتى حسبنَ بها نَفرَا
                                                                    بِأحْسَنَ مِنْ ظَمْيَاءَ يَوْمَ لَقيتُها،
                                                                            وَلا مُزْنَةٌ رَاحَتْ غَمامَتها قَصْرَا
                                                                    وَكَمْ دُونَها مِنْ عاطِفٍ في صرِيمةٍ
                                                                            وَأعداءِ قَوْمٍ يَنذُرُونَ دَمي نَذْرَا
                                                                    إذا أوْعَدُوني عِنْدَ ظَمْيَاءَ سَاءَهَا
                                                                            وَعيدي وَقالَتْ: لا تقولوا لَه هُجْرَا
                                                                    دَعاني زِيَادٌ للعَطَاءِ وَلَمْ أكُنْ
                                                                            لأقرَبَهُ ما سَاقَ ذُو حَسَبٍ وَفْرَا
                                                                    وَعِنْدَ زِيَادٍ لَوْ يُرِيدُ عَطَاءَهُمْ
                                                                            رِجَالٌ كَثيرٌ قَدْ يَرَى بهمُ فَقْرَا
                                                                    قُعُودٌ لَدى الأبْوَابِ طُلاّبُ حاجَةٍ
                                                                            عَوَانٍ مِنَ الحَاجات أوْ حاجةٍ بِكَرا
                                                                    فَلَمّا خَشِيتُ أنْ يَكُونَ عَطاؤهُ
                                                                            أداهِمَ سُوداً أوْ مُحَدْرَجَةً سُمَرا
                                                                    فَزِعْتُ إلى حَرْفٍ أضَرّ بِنَيّهَا
                                                                            سُرَى الليلِ وَاستعرَاضُها البلَدَ القَفرَا
                                                                    تنفس من بهوٍ من الجوف واسع
                                                                            إذا مدَّ حيزوماشراسيفها الضفرا
                                                                    تَرَاهَا إذَا صَامَ النّهَارُ كَأنّمَا
                                                                            تُسامي فَنيقاً أوْ تُخالِسُهُ خَطْرَا
                                                                    تَخوضُ إذا صَاحَ الصّدى بعد هَجعَةٍ
                                                                            مِنَ اللّيْلِ مُلتَجّاً غياطِلُهُ خَضرَا
                                                                    وَإنْ أعرَضَتْ زَوْرَاءَ أوْ شَمّرَتْ بهَا
                                                                            فَلاةٌ تَرَى مِنها مَخارِمَها غُبْرَا
                                                                    تَعادَينَ عَنْ صُهْبِ الحَصَى وكأنّما
                                                                            طَحَنّ بهِ من كلّ رَضرَاضَةٍ جَمرَا
                                                                    عَلى ظَهرِ عَادِيٍّ كَأنّ مُتُونَهُ
                                                                            ظُهُورُ لأىً تُضْحي قَياقيُّهُ حْمْرَا
                                                                    وكم من عَدُوٍّ كاشْحٍ قَد تجاوَزَتْ
                                                                            مَخافَتُه حَتى يكونَ لهَا جَسْرَا
                                                                    يَؤمّ بهَا المَوْمَاةَ مَنْ لَنْ تَرَى لَهُ
                                                                            إلى ابنِ أبي سُفيَان جاهاً وَلا عُذْرا
                                                                    وَحِضْنَينِ مِنْ ظَلْمَاءِ لَيْلٍ سرَيتُهُ
                                                                            بأغيَدَ قد كانَ النّعاسُ لَهُ سُكْرَا
                                                                    رَمَاهُ الكَرَى في الرّأسِ حتى كأنّهُ
                                                                            أمِيمُ جَلامِيدٍ تَرَكْنَ بِهِ وَقْرَا
                                                                    جَرَرْنَا وَفَدّيْنَاهُ حَتى كَأنّمَا
                                                                            يَرَى بهَوَادي الصّبحِ قَنْبَلَةً شُقرَا
                                                                    مِنَ السّيْرِ وَالإسْآدِ حَتى كَأنّما
                                                                            سَقَاهُ الكَرَى في كلّ مَنزِلَةٍ خَمرَا
                                                                    فَلا تُعْجِلاني صَاحِبَيّ، فَرُبّمَا
                                                                            سَبَقْتُ بِوِرْدِ المَاءِ غادِيَةً كُدْرَا