عزفت بأعشاش وما كدت تعزف - الفرزدق
عَزَفْتَ بأعشاشٍ وَما كِدْتَ تَعزِفُ،
                                                                            وَأنكَرْتَ من حَرَاءَ ما كنتَ تَعرِفُ
                                                                    وَلَجّ بكَ الهِجْرَانُ، حَتى كَأنّما
                                                                            تَرَى المَوْتَ في البيتِ الذي كنتَ تَيلفُ
                                                                    لجَاجَةُ صُرْمٍ لَيسَ بالوَصْلِ، إنّما
                                                                            أخو الوَصْلِ من يَدنو وَمَن يتَلَطّفُ
                                                                    إذا انتَبهَتْ حَدْرَاءُ من نوْمةِ الضّحى
                                                                            دَعَتْ وَعَليها دِرْعُ خَزٍّ وَمِطْرَفُ
                                                                    بأخْضَرَ مِنْ نَعْمَانَ ثمّ جَلَتْ بهِ
                                                                            عِذابَ الثّنايا طَيّباً حِينَ يُرْشَفُ
                                                                    وَمُسْتَنْفِزَاتٍ للقُلُوبِ، كَأنّها
                                                                            مَهاً حَوْلَ مَنْتُوجاتِهِ يَتَصَرّفُ
                                                                    يُشَبَّهْنَ مِنْ فَرْطِ الحَيَاءِ كَأنّها
                                                                            مِرَاضُ سُلالٍ أوْ هَوَالِكُ نُزَّفُ
                                                                    إذا هُنّ سَاقَطْنَ الحَدِيثَ، كَأنّه
                                                                            جَنى النّحْلِ أوْ أبكارُ كَرْمٍ يُقَطَّفُ
                                                                    مَوانِعُ لِلأسْرَارِ، إلاّ لأهْلِهَا،
                                                                            وَيُخلِفنَ ما ظنّ الغيورُ المُشَفْشِفُ
                                                                    يُحَدِّثنَ بعَدَ اليأسِ من غَيرِ رِيبَةٍ،
                                                                            أحاديثَ تَشفي المُدْنَفِينَ وَتَشْغَفُ
                                                                    إذا القُنْبُضَاتُ السّودُ طوّفن بالضّحى
                                                                            رَقَدْنَ عَليهنّ الحِجالُ المُسَجَّفُ
                                                                    وَإنْ نَبّهَتْهُنّ الوَلائِدُ بَعْدَمَا
                                                                            تَصَعّدَ يَوْمُ الصّيْفِ أوْ كاد يَنصُفُ
                                                                    دَعوْنَ بقُضْبانِ الأرَاكِ التي جَنَى
                                                                            لها الرّكْبُ من نَعمَانَ أيّامَ عَرّفُوا
                                                                    فَمِحْنَ بِهِ عَذْباً رُضَاباً، غُرُوبُهُ
                                                                            رِقاقٌ وَأعلى حَيْثُ رُكّبْنَ أعْجَفُ
                                                                    لَبِسْنَ الفِرِنْدَ الخُسْرُوَانيَّ دُونَهُ،
                                                                            مَشاعِرَ مِنْ خَزّ العِرَاقِ، المُفَوَّفُ
                                                                    فكَيْفَ بمَحْبُوسٍ دَعاني، وَدُونَهُ
                                                                            دُرُوبٌ وأبْوَابٌ وَقَصْرٌ مُشَرَّفُ
                                                                    وَصُهْبٌ لِحاهُمْ رَاكِزُونَ رِماحَهُمْ،
                                                                            لهمْ دَرَقٌ تحتَ العَوَالي مُصَفَّفُ
                                                                    وَضَارِيَةٌ ما مَرّ إلاّ اقْتَسَمْنَهُ
                                                                            عَلَيهنّ خَوَّاضٌ إلى الطِّنءِ مِخشَفُ
                                                                    يُبَلّغُنا عَنْهَا بِغَيْرِ كَلامِهَا
                                                                            إلَيْنا مِنَ القَصْرِ البَنانُ المُطَرَّفُ
                                                                    دَعَوْتَ الذي سَوّى السّمَواتِ أيْدُهُ،
                                                                            ولَلَّهُ أدْنَى مِنْ وَرِيدي وَألْطَفُ
                                                                    لِيَشْغَلَ عَني بَعْلَها بِزَمَانَةٍ
                                                                            تُدَلِّهُهُ عَنّي وَعَنْها فَنُسْعَفُ
                                                                    بِما في فُؤادَينا مِنَ الهَمّ وَالهَوَى
                                                                            فَيَبْرَأُ مُنْهاضُ الفُؤادِ المُسَقَّفُ
                                                                    فَأرْسَلَ في عَيْنَيْهِ مَاءً عَلاهُما
                                                                            وَقَدْ عَلِموا أنّي أطَبُّ وَأعْرَفُ
                                                                    فَدَاوَيْتُهُ عَامَينِ وَهْيَ قَرِيبَةٌ
                                                                            أراهَا وَتَدْنو لي مِرَاراً فأرْشُفُ
                                                                    سُلافَة جَفْنٍ خَالَطَتْها تَرِيكةٌ
                                                                            على شَفتَيْها وَالذّكِيُّ المُسوَّفُ
                                                                    فيا لَيْتَنا كُنّا بَعِيرَينِ لا نَرِدْ
                                                                            عَلى مَنْهَلٍ إلاّ نُشَلّ وَنُقْذَفُ
                                                                    كِلانَا بِهِ عَرٌّ يُخَافُ قِرَافُهُ
                                                                            عَلى النّاسِ مَطْليُّ المَساعرِ أخْشَفُ
                                                                    بِأرْضٍ خَلاءٍ وَحْدَنَا، وَثِيابُنا
                                                                            مِنَ الرَّيْطِ وَالدّيباجِ دِرْعٌ وَمِلحَفُ
                                                                    وَلا زَادَ إلاّ فَضْلَتَانِ: سُلافَةٌ،
                                                                            وَأبْيَضُ مِنْ ماءِ الغمَامةِ قَرْقَفُ
                                                                    وأشْلاءُ لحمٍ من حُبارَى، يَصِيدُها،
                                                                            إذا نَحْنُ شِئنا، صَاحِبٌ مُتَألَّفُ
                                                                    لَنَا ما تَمَنّيْنَا مِن العَيْشِ ما دَعَا
                                                                            هَديلاً حَماماتٌ بِنَعْمانَ هُتفُ
                                                                    إلَيْكَ أمِيرَ المؤمِنيِنَ رَمَتْ بِنَا
                                                                            هُمُومُ المُنى وَالهَوْجَلُ المُتَعَسَّفُ
                                                                    وَعَضُّ زَمانٍ يا ابنَ مَرْوَانَ لم يَدَعْ
                                                                            مِنَ المَالِ إلاّ مُسحَتاً أوْ مُجَرَّفُ
                                                                    وَمُنْجَرِدُ السُّهْبَانِ أيْسَرُ مَا بِهِ
                                                                            سَلِيبُ صُهَارٍ أوْ قُصَاعٌ مُؤلَّفُ
                                                                    ومَائِرَةِ الأعْضَادِ صُهْبٍ كَأنّمَا
                                                                            عَلَيها مِنَ الأينِ الجِسادُ المُدَوَّفُ
                                                                    بَدأنَا بِهَا مِنْ سِيفِ رَمْلِ كُهَيلةٍ،
                                                                            وَفيها نَشاطٌ من مِرَاحٍ وَعَجْرَفُ
                                                                    فَما بَرِحَتْ حَتى تَقارَبَ خَطْوُها
                                                                            وَبادَتْ ذُرَاها وَالمَناسِمُ رُعَّفُ
                                                                    وَحتى قَتَلنا الجَهلَ عَنها وَغُودِرَتْ،
                                                                            إذا ما أُنِيخَتْ، وَالمَدامعُ ذُرَّفُ
                                                                    وَحتى مشَى الحادي البَطيءُ يَسُوقُها
                                                                            لهَا بَخَصٌ دامٍ وَدَأيٌ مُجَلَّفُ
                                                                    وَحَتى بَعَثْنَاهَا وَما في يَدٍ لَهَا،
                                                                            إذا حُلّ عَنها رُمّةٌ وَهيَ رُسّفُ
                                                                    إذا ما نَزلْنا قاتَلَتْ عَنْ ظُهُورِنَا،
                                                                            حَرَاجِيجُ أمْثَالُ الأهلّةِ شُسّفُ
                                                                    إذا مَا أرَيْنَاهَا الأزِمّة أقْبَلَتْ
                                                                            إلَيْنَا، بِحُرّاتِ الوُجُوهِ، تَصَدّفُ
                                                                    ذَرَعْنَ بِنا ما بَينَ يَبْرِينَ عَرْضَهُ
                                                                            إلى الشأمِ تَلْقَانَا رِعَانٌ وَصَفْصَفُ
                                                                    فأفْنَى مِرَاحَ الدّاعِرِيّةِ خَوْضُهَا
                                                                            بِنا اللّيْلَ إذْ نام الدَّثُورُ المُلَفَّفُ
                                                                    إذا اغْبَرّ آفَاقُ السّمَاءِ وَكَشّفَتْ
                                                                            كُسُورَ كبُيوتِ الحَيّ حمرَاءُ حَرْجَفُ
                                                                    وَهَتّكَتِ الأطْنابِ كُلُّ عَظِيمَةٍ
                                                                            لها تَامِكٌ من صَادِقِ النِّيّ أعْرَفُ
                                                                    وَجَاءَ قَرِيعُ الشَّوْلِ قَبْلَ إفَالِها
                                                                            يَزِفّ وَرَاحَتْ خَلْفَهُ وَهْيَ زُفَّفُ
                                                                    وَبَاشَرَ رَاعِيهَا الصِّلا بِلَبَانِهِ
                                                                            وَكَفّيْهِ حَرَّ النّارِ مَا يَتَحَرّفُ
                                                                    وَأوْقَدَتِ الشِّعْرَى مع اللّيلِ نارَها،
                                                                            وَأمْسَتْ محُولاً، جِلْدُها يتَوَسّفُ
                                                                    وأصْبَحَ مَوْضُوعُ الصّقيعِ، كَأنّهُ
                                                                            على سَرَوَاتِ النِّيبِ قُطْنٌ مُنَدَّفُ
                                                                    وَقاتَلَ كَلْبُ الحَيّ عَنْ نارِ أهْلِهِ،
                                                                            ليَرْبِضَ فيها وَالصِّلا مُتَكَنَّفُ
                                                                    وَجَدْتَ الثّرَى فينا إذا يَبِسَ الثّرَى،
                                                                            وَمَنْ هُوَ يَرْجُو فَضْلَهُ المُتَضَيِّفُ
                                                                    تَرَى جارَنا فينا يُجيرُ، وَإنْ جَنَى
                                                                            فَلا هُوَ مِمّا يُنْطِفُ الجارَ يُنْطَفُ
                                                                    وَيَمْنَعُ مَوْلانَا، وَإنْ كانَ نَائِياً،
                                                                            بِنَا جَارَهُ مِمّا يَخَافُ وَيَأنَفُ
                                                                    وَقَدْ عَلِمَ الجِيرَانُ أنّ قُدُورَنَا
                                                                            ضَوَامِنُ للأرْزَاقِ وَالرّيحُ زَفْزَفُ
                                                                    نُعَجِّلُ للضِّيفانِ في المَحلِ بالقِرَى
                                                                            قُدُوراً بِمعْبُوطٍ تُمَدّ وَتُغْرَفُ
                                                                    تُفَرَّغُ في شِيزَى، كَأنّ جِفَانَها
                                                                            حِياضُ جِبىً، منها مِلاءٌ وَنُصَّفُ
                                                                    تَرَى حَوْلَهُنّ المُعْتَفِينَ كَأنّهُمْ
                                                                            عَلى صَنَمٍ في الجاهليّةِ عُكّفُ
                                                                    قُعُوداً وخَلْفَ القاعِدِينَ سُطورُهمْ
                                                                            جُنوحٌ، وأيديهِمْ جُموسٌ وَنُطّفُ
                                                                    وَما حُلّ منْ جَهْلٍ حُبَى حُلَمائِنا؛
                                                                            وَلا قائِلٌ بالعُرْفِ فِينا يُعَنَّفُ
                                                                    وَما قَامَ مِنّا قائِمٌ في نَدِيّنَا
                                                                            فَيَنْطِقَ، إلاّ بالّتي هِيَ أعْرَفُ
                                                                    وإني لمنْ قَوْمٍ بهِمْ تُتّقَى العِدَى،
                                                                            وَرَأبُ الثّأى وَالجَانِبُ المُتَخَوِّفُ
                                                                    وَأضْيَافِ لَيْلٍ، قَدْ نَقَلْنا قِرَاهمُ
                                                                            إلَيْهِمُ، فأتْلَفنا، المَنايا، وَأتْلَفُوا
                                                                    قَرَيْنَاهُمُ المَأثُورَةَ البِيض قَبْلَها
                                                                            يُثِجّ العُرُوقَ الأَزْأَنيُّ المُثَقَّفُ
                                                                    وَمَسْرُوحَةً مِثْل الجَرَادِ يَسُوقُها
                                                                            مُمَرٌّ قُوَاهُ وَالسَّرَاءُ المُعَطِّفُ
                                                                    فأصْبَحَ في حَيثُ التَقَيْنا شَرِيدُهُمْ
                                                                            طَلِيقٌ وَمَكتوفُ اليَدَينِ وَمُزْعَفُ
                                                                    وَكنّا إذا ما استكْرَهَ الضّيْفُ بالقِرَى
                                                                            أتَتْهُ العَوالي، وَهيَ بالسّمّ تَرْعَفُ
                                                                    وَلا نَسْتَجِمُّ الخَيْلَ، حَتى نُعِيدَها
                                                                            غَوانِم مِنْ أعدائِنا وَهيَ زُحّفُ
                                                                    كَذلكَ كانَتْ خَيْلُنا، مَرّةً تُرَى
                                                                            سِمَاناً، وَأحْيَاناً تُقَادُ فَتَعجَفُ
                                                                    عَلَيهِنّ مِنّا النّاقِصُونَ ذُحُولَهُمْ،
                                                                            فَهُنّ بِأعْبَاءِ المَنِيّةِ كُتّفُ
                                                                    مَداليقُ حَتى تَأتَي الصّارِخَ الّذي
                                                                            دَعا وَهْوَ بالثّغْرِ الذي هوَ أخوَفُ
                                                                    وَكُنّا إذا نَامَتْ كُلَيْبٌ عنِ القِرَى
                                                                            إلى الضّيْفِ نَمْشِي بالعَبيطِ وَنَلحَفُ
                                                                    وَقِدْرٍ فَثَأنا غَلْيَها بَعدَما غَلَتْ،
                                                                            وأخْرَى حَشَشْنا بالعَوالي تُؤثَّفُ
                                                                    وَكُلُّ قِرَى الأضْيافِ نَقرِي من القَنا
                                                                            وَمُعْتَبَطٍ فِيهِ السّنَامُ المُسَدَّفُ
                                                                    وَلَوْ تَشْرَبُ الكَلْبَى المرَاضُ دماءنَا
                                                                            شَفَتْهها، وَذو الدَّاءِ الذي هُوَ أدْنَفُ
                                                                    مِن الفَائِقِ المَحْبُوسِ عَنهُ لِسانُهُ
                                                                            يَفُوقُ، وَفيهِ المَيّتُ المُتَكَنَّفُ
                                                                    وَجدْنا أعَزَّ النّاسِ أكْثَرَهُمْ حصىً،
                                                                            وَأكْرَمَهُمْ مَنْ بالمَكارِمِ يُعرَفُ
                                                                    وَكِلْتاهُما فِينا إلى حَيْثُ تَلْتقي
                                                                            عَصَائِبُ لاقَى بَيْنَهُنّ المُعَرَّفُ
                                                                    مَنَازِيلُ عَنْ ظَهْرِ القَلِيلِ كَثيِرُنا
                                                                            إذا ما دَعَا في المَجلِسِ المُتَرَدِّفُ
                                                                    قَلَفْنا الحَصَى عَنهُ الذي فوْقَ ظَهرِه
                                                                            بِأحْلامِ جُهّالٍ، إذا ما تَغَضّفُوا
                                                                    عَلى سَوْرَةٍ، حَتى كأنّ عَزِيزَهَا
                                                                            تَرَامَى بهِ مَن بَينِ نِيقَينِ نفْنَفُ
                                                                    وَجَهْلٍ بِحْلمٍ قَدْ دَفَعْنا جُنُونَهُ،
                                                                            وَما كان لَوْلا حِلْمُنا يَتَزَحُلَفُ
                                                                    رَجَحنا بِهمْ حتى استَثابوا حُلُومَهمْ
                                                                            بِنا بَعْدَما كادَ القَنا يَتَقَصّفُ
                                                                    وَمَدّتْ بِأيْديِها النّساءُ، وَلمْ يكُنْ
                                                                            لذي حَسَبٍ عَنْ قَوْمِهِ متَخَلَّفُ
                                                                    كَفَيْناهُمُ ما نابَهُمْ بِحُلُومِنَا
                                                                            وَأمْوَالِنَا، والقَوْمُ، بالنَّبْلِ، دُلّفُ
                                                                    وَقَدْ أرْشَدُوا الأوْتَارَ أفْواقَ نَبلهِم
                                                                            وَأنيابُ نَوْكاهُمْ من الحَرْد تَصرِفُ
                                                                    فَما أحَدٌ في النّاسِ يَعْدِلُ دَرْأنَا
                                                                            بِعِزٍّ، وَلا عِزٌّ لَهُ حِينَ نَجْنَفُ
                                                                    تَثَاقَلُ أرْكَانٌ عَلَيْهِ ثَقِيلَةٌ،
                                                                            كأرْكانِ سَلْمى أوْ أعَزُّ وَأكْثَفُ
                                                                    سَيَعَلَمُ مَنْ سامى تَميماً إذا هَوَتْ
                                                                            قَوَائِمُهُ في البَحْرِ مَن يَتَخَلّفُ
                                                                    فَسَعْدُ جِبَالُ العِزّ والبَحْرُ مالِكٌ،
                                                                            فَلا حَضَنٌ يُبْلى وَلا البَحْرُ يُنزَفُ
                                                                    وَبِالله لَوْلا أنْ تَقُولُوا تَكَاثَرَتْ
                                                                            عَلَيْنَا تَمِيمٌ ظالمِينَ، وَأسْرَفُوا
                                                                    لمَا تُرِكَتْ كَفٌّ تُشِيرُ بِأُصْبُعٍ،
                                                                            ولا تُرِكَتْ عَينٌ على الأرْضِ تَطِرفُ
                                                                    لَنَا العِزّةُ الغَلْبَاءُ، وَالعَددُ الذي
                                                                            عَلَيْهِ إذا عُدّ الحَصَى يُتَحَلّفُ
                                                                    وَلا عِزّ إلاّ عزّنا قَاهِرٌ لَهُ،
                                                                            وَيَسْألُنَا النَّصْفَ الذّليلُ فيُنْصَفُ
                                                                    ومَنّال الّذي لا يَنْطِقُ النّاسُ عندَهُ،
                                                                            وَلَكِنْ هُوَ المُسْتَأذَنُ المُتَنصَّفُ
                                                                    تَرَاهُمْ قُعُوداً حَوْلَهُ، وعُيُونُهمْ
                                                                            مُكَسَّرَةٌ أبْصَارُها ما تَصَرّفُ
                                                                    وَبَيْتَانِ: بَيْتُ الله نَحْنُ وُلاتُهُ،
                                                                            وَبَيْتٌ بِأعْلى إيلِيَاءَ مُشَرَّفُ
                                                                    لَنَا، حَيْثُ آفَاقُ البَرِيّةِ تَلتَقي،
                                                                            عَدِيدُ الحَصَ والقَسورِيُّ المُخَندِفُ
                                                                    إذا هَبَطَ النّاسُ المُحَصَّبَ مِنْ مِنىً
                                                                            عَشِيّةَ يَوْمِ النّحرِ من حيثُ عَرّفُوا
                                                                    تَرَى النّاسَ ما سِرْنا يَسِيرُونَ خَلفَنا،
                                                                            وَإنْ نَحنُ أوْمأنا إلى النّاسِ وَقّفُوا
                                                                    أُلُوفُ أُلُوفٍ مِنْ دُرُوعٍ وَمن قَناً،
                                                                            وَخَيلٌ كرَيعانِ الجَرَادِ وَحَرْشَفُ
                                                                    وَإنْ نَكَثُوا يَوْماً ضَرَبْنا رِقابَهُمْ،
                                                                            عَلى الدِّينِ، حَتى يُقْبِلَ المُتَألَّفُ
                                                                    فإنّكَ إذْ تَسْعَى لتُدْرِكَ دَارِماً،
                                                                            لأنْتَ المُعنّى يا جَرِيرُ المُكَلَّفُ
                                                                    أتَطْلُبُ مَن عِنْدَ النّجومِ وَفَوْقَها
                                                                            بِرِبْقٍ وعيْرٍ ظَهْرُهُ مُتَقَرِّفُ
                                                                    أبَى لِجَرِيرٍ ورَهْطُ سُوءٍ أذِلّةٌ،
                                                                            وَعِرْضٌ لَئِيمٌ للمَخازي مُوَقَّفُ
                                                                    إذا ما احْتَبَتْ لي دارِمٌ عِنْدَ غَايَةٍ
                                                                            جَرَيْتُ إلَيها جَرْيَ مَنْ يَتَغَطرَفُ
                                                                    كِلانَا لعهُ قَوْمٌ هُمُ يُحْلِبُونَهُ
                                                                            بأحْسابِهمْ حَتى يَرَى منْ يُخَلَّفُ
                                                                    إلى أمَدٍ، حَتى يُزَايِلَ بَيْنَهُمْ،
                                                                            وَيُوجِعُ منّا النّخسُ مَن هوَ مُقرِفُ
                                                                    عَطَفْتُ عَلَيكَ الحَرْبَ، إني إذا وَنَى
                                                                            أخو الحَرْبِ كَرّارٌ على القِرْن مِعْطَفُ
                                                                    تُبَكّي على سَعْدٍ، وَسَعْدٌ مُقيمةٌ
                                                                            بَيَبْرِينَ مِنهُمْ مَنْ يَزِيدُ وَيُضْعِفُ
                                                                    عَلى مَنْ ورَاءَ الرَّدِم لَوْ دُكّ عَنهمُ
                                                                            لمَاجُوا كمَا ماجَ الجَرادُ وَطَوّفُوا
                                                                    فهمْ يَعدِلونَ الأرْض لوْلاهمُ استَوتْ
                                                                            على النّاسِ أوْ كادَتْ تعسيرُ فتُنسَفُ
                                                                    وَلَوْ أنّ سَعْداً أقْبَلَتْ مِنْ بِلادِها
                                                                            لجَاءَتْ بِيَبْرِينَ اللّيَالي تَزَحّفُ