لعمري لقد أردى نوار وساقها - الفرزدق
لَعَمْرِي لَقَدَ أرْدَى نَوَارَ وَسَاقَها
                                                                            إلى الغَوْرِ، أحْلامٌ قَليلٌ عُقولُها
                                                                    مُعارِضَةَ الرّكْبانِ في شَهْرِ نَاجِرٍ،
                                                                            عَلى قَتَبٍ يَعْلُو الفَلاةَ دَلِيلُها
                                                                    وَما خِفتُها إنْ أنكَحَتْني وأشهَدَتْ
                                                                            على نَفْسِها لي أنْ تَبَجّسَ غُولُها
                                                                    أبَعْدَ نَوَارٍ آمَنَنّ ظَعِينَةً
                                                                            على الغَدْرِ ما نَادَى الحَمامَ هَديلُها
                                                                    ألا لَيتَ شِعري عن نَوَارٍ إذا خَلتْ
                                                                            بجاجَتِها هَلْ تُبْصِرَنّ سَبيلها
                                                                    أطاعَتْ بَني أمّ النّسَيرِ، فأصْبَحَتْ
                                                                            على شارِفٍ وَرْقاءَ صَعْبٍ ذَلُولُها
                                                                    إذا ارْتجَلَتْ شَقْتَ عَلَيها، وإنْ تَنُخْ
                                                                            يَكُنّ مِنْ غَرَامِ الله عَنها نُزُولُها
                                                                    وَقد سَخِطَتْ مني نَوَارُ الذي ارْتضَتْ
                                                                            بهِ قَبْلَها الأزْوَاجُ، خابَ رَحيلُها
                                                                    وَمَنْسُوبَةُ الأجْدادِ غَيرُ لَئِيمَةٍ،
                                                                            شَفَتْ لي فُؤادي وَاشتَفى بي غَليلُها
                                                                    فَلا زَال يَسْقي ما مُفَدّاةُ نَحْوَهُ،
                                                                            أهاضِيبُ، مُسْتَنُّ الصَّبَا وَمَسِيلُها
                                                                    فَما فَارقَتْنا رَغْبَةً عَنْ جِمَاعِنَا،
                                                                            وَلكَنّما غالَتْ مُفَدّاةَ غُولُها
                                                                    تُذَكّرُني أرْواحَها نَفْحَةُ الصَّبَا،
                                                                            وَرِيحُ الخُزَامَى طَلُّها وَبَلِيلُها
                                                                    فإنّ امْرَاً يَسْعَى يُخَبّبُ زَوْجَتي،
                                                                            كَساعٍ إلى أُسْدِ الثّرَى يَسْتَبيلُها
                                                                    وَمِنْ دُونِ أبْوَالِ الأسُودِ بَسالَةٌ،
                                                                            وَصَوْلَةُ أيْدٍ يَمْنَعُ الضّيمَ طُولُها
                                                                    فإني، كَما قالَتْ نَوَارُ، إنِ اجتَلَتْ
                                                                            على رَجُلٍ، ما سَدّ كَفّي، خَليلُها
                                                                    وَأنْ لمْ تكُنْ لي في الّذي قُلتُ مِرّةٌ
                                                                            فَدُلّيتُ في غَبْرَاءَ يَنْهَالُ جُولُها
                                                                    فَما أنَا بِالنّائي فَتُنْفَى قَرَابَتي،
                                                                            ولا بَاطِلٌ حَقّي الذي أُقِيلُها
                                                                    ولَكِنّني المَوْلى الذي لَيْسَ دُونَهُ
                                                                            وَليّ، وَمَوْلى عُقْدَةٍ مَنْ يُجيلُها
                                                                    فَدُونَكَها يا ابن الزّبَيْرِ، فإنّهَا
                                                                            مَوَلَّعَةٌ يُوهي الحِجارَةَ قِيلُها
                                                                    إذا قَعَدَتْ عِنْدَ الإمامِ، كَأنّمَا
                                                                            تَرَى رُفْقَةً مِنْ سَاعَةٍ تَسْتَحيلُها
                                                                    وَما خاصَمَ الأقْوَامَ من ذي خُصُومَةٍ
                                                                            كَوَرْهاء، مَشْنُوءٌ إلَيْهَا حَلِيلُها
                                                                    فَإنّ أبَا بَكْرٍ إمَامكِ عالِمٌ
                                                                            بِتَأوِيلِ مَا وَصّى العِبَادِ رَسُولُها
                                                                    وَظَلْمَاءَ مِنْ جَرّا نَوَارٍ سَرَيْتُها،
                                                                            وَهَاجِرَةٍ دَوّيّةٍ مَا أُقِيلُها
                                                                    جَعَلْنَا عَلَينَا دُونَها مِنْ ثِيَابِنا
                                                                            تَظَالِيلَ حَتى زَالَ عَنْهَا أصِيلُها
                                                                    تَرَى مِنْ تَلَظّيها الظّبَاءَ كأنّها
                                                                            مُوَقَّفَةٌ تَغْشَى القُرُونَ وَعُولُها
                                                                    نَصَبْتُ لها وَجْهي وَحَرْفاً كَأنّهَا
                                                                            أتَانُ فَلاةٍ خَفّ عَنْهَا ثَمِيلُها
                                                                    إذا عَسَفَتْ أنْفَاسُها في تَنُوفَةٍ،
                                                                            تَقَطّعَ دُونَ المُحصَناتِ سَحيلُها
                                                                    تُرَى مثل أنْضَاءِ السّيوفِ من السُّرَى،
                                                                            جَرَاشِعَةَ الأجوَازِ يَنجو رَعِيلُها