سما لك شوق من نوار ودونها - الفرزدق
سَما لكَ شَوْقٌ مِنْ نَوَارَ، وَدونَها
                                                                            مَهامِهُ غُبْرٌ، آجِنَاتُ المَنَاهِلِ
                                                                    فهِمْتَ بهَا جَهْلاً على حِين لمْ تذَرْ
                                                                            زِلازِلُ هذا الدّهرِ وَصْلاً لوَاصلِ
                                                                    وَمِنْ بعدِ أنْ كمّلْتَ تِسعينَ حِجّةً،
                                                                            وَفارَقتَ، عن حلمِ النّهَى، كلَّ جاهلِ
                                                                    فذَرْ عَنكَ وَصْلَ الغانياتِ، وَلا تَزِغْ
                                                                            عنِ القَصْدِ، إنّ الدّهَر جَمُّ البلابلِ
                                                                    أبَادَ القُرُونَ المَاضِيَاتِ، وَإنّمَا
                                                                            تَمُرّ التّوَالي في طَرِيقِ الأوَائِلِ
                                                                    شَكَرْنَا لِعَبْدِ الله حُسْنَ بَلائِهِ،
                                                                            غَداةَ كَفَانَا كلَّ نِكسٍ مُوَاكِلِ
                                                                    بجَابِيَةِ الجَوْلانِ، إذْ عَمّ فَضْلُهُ
                                                                            عَلَينا، وقِدْماً كان جَمّ الفَوَاضِلِ
                                                                    فَلَسْتُ وَإنْ كانَتْ ذُؤابَةُ دارِمٍ
                                                                            نَمَتْني إلى قُدْمُوسِ مَجِدٍ حَلاحِلِ
                                                                    وَإنْ حَلّ بَيْتي مِنْ سَمَاءِ مُجاشعٍ
                                                                            بمَنْزِلَةٍ فَاتَتْ يَدَ المُتَنَاوِلِ
                                                                    بنَاسٍ لبَكْرٍ حُسْنَ صُنْعِ أخيهمُ
                                                                            إليّ لدى الخِذْلانِ مِنْ كلّ خاذِلِ
                                                                    كَفَانَا أُمُوراً لَمْ يَكُنْ ليُطِيقَها
                                                                            مِنَ القَوْمِ إلاّ كامِلٌ وَابنُ كامِلِ
                                                                    ألِكْني إلى أفْنَاءِ مُرّةَ كُلِّهَا
                                                                            رِسَالَةَ ذِي وُدٍّ، لمُرّةَ، وَاصِلِ
                                                                    فَلَوْلا أبُو عَبْدِ المَلِيكِ أخُوكُمُ
                                                                            رَجَعتُ إلى عِرْسِي بأفوَقَ نَاصِلِ
                                                                    وَحُلّئْتُ عند الوِرْدِ من كلّ حاجَةٍ،
                                                                            وَغُودِرْتُ في الجَوْلانِ رَثَّ الحَبائلِ
                                                                    سَتأتيكَ مِني إنْ بَقِيتُ قَصَائِدٌ
                                                                            يُقَصّرُ عَنْ تَحْبِيرِها كلُّ قائِلِ
                                                                    لهَا تُشرِقُ الأحسابُ عند سَمَاعِهَا،
                                                                            إذا عُدّ فَضْلُ الفِعْلِ من كلّ فاعلِ
                                                                    وَأنتَ امرُؤٌ للصُّلْبِ مِنْ مُرّةَ الّتي
                                                                            تُقَصّرُ عَنْهَا بَسْطَةُ المُتَطَاولِ
                                                                    هُمُ رَهَنُوا عَنْهُمْ أبَاكَ لفَضْلِهِ
                                                                            على قَوْمِهِ، والحَقُّ بادي الشّوَاكلِ
                                                                    وَلَوْ عَلِمُوا أوْفَى لحَقْنِ دِمائِهِم
                                                                            وَأبْيَنَ فَضْلاً عندَ تِلكَ الفَواضِلِ
                                                                    لهُمْ من أبيكَ المُصْطَفَى لاتّقَوْا بهِ
                                                                            أسِنّةَ كِسْرَى يوْمَ رَهنِ القَبائِلِ
                                                                    فضَلتمْ بَني شَيبانَ فضْلاً وَسُؤدَداً،
                                                                            كمَا فَضَلَتْ شَيبانِ بكَر بن وَائِلِ
                                                                    وقَدْ فَضَلَتْ بَكْرٌ رَبِيعَةَ كُلَّها،
                                                                            بفِعْلِ العُلى، وَالمَأثُرَاتِ الأوَائِلِ
                                                                    حَمَيتمْ مَعَدّاً يوْمَ كِسرَى بن هُرْمُزٍ
                                                                            بضَرْبَةِ فَصْلٍ قَوّمَتْ كلَّ مَائِلِ
                                                                    غَلَبْتُمْ بذِي قارٍ، فَما انفَكّ أمرُها
                                                                            إلى اليَوْم أمرَ الخاشعِ المُتَضَائِلِ
                                                                    بِأبْطَحَ ذِي قَارٍ غَدَاةَ أتَتْكُمُ
                                                                            قَبَائِلُ جَمْعٍ تَقْتَدي بقَبَائِلِ
                                                                    وَكانتْ لكُمْ نُعمى عمَمتمْ بفَضْلها
                                                                            على كلّ حَافٍ، من مَعَدٍّ، وَنَاعلِ
                                                                    مُقَدِّمَةُ الهَامُرْزِ تَعْلَمُ أنّكُمْ
                                                                            تَغارُونَ يَوْمَ البَأسِ عند الحَلائلِ
                                                                    نماكَ إلى مَجْدِ المَكارِمِ وَالعُلَى
                                                                            بُيُوتٌ، إلَيها العِزُّ عِندَ المَعاقِلِ
                                                                    فمِنهُنّ بَيْتُ الحَوْفَزَانِ الذي بهِ
                                                                            تُفَلِّلُ بَكرٌ حَدَّ نَبْلِ المُنَاضِلِ
                                                                    وَبَيْتُ المُثَنّى عَاقِرِ الفِيلِ عَنْوَةً
                                                                            بِبابِلَ، إذْ في فَارِسٍ مُلْكُ بَابِلِ
                                                                    وَبَيْتٌ لِمَسْعُودِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَالدٍ،
                                                                            وَذلِكَ بيْتٌ ذِكْرُةُ غَيْرُ خَامِلِ
                                                                    وَبَيْتٌ لمَفْرُوقِ بن عَمْروٍ وَهانىءٍ،
                                                                            مُنِيفُ الأَعالي مُكْفَهِرُّ الأسافلِ
                                                                    وَبَيْتُ أبي قَابُوسَ مُصْقَلَةَ الّذي
                                                                            بَنى بَيْتَ عِزٍّ، أُسُّهُ غَيرُ زَائِلِ
                                                                    وَبَيْتُ رُوَيْمٍ ذي المَكَارِمِ والعُلى،
                                                                            أنَافَ بعِزٍّ فَوْقَ بَاعِ المُفاضِلِ
                                                                    وَبَيْتٌ لعِمرَانَ بن مُرّةَ، إنّهُ
                                                                            بِهِ يَبْهَرُ الأقْوَامَ عِنْدَ المَحَافِلِ
                                                                    فتِلْكَ بُيُوت هُنّ أحْلَلْنَكَ العُلى
                                                                            فَأصْبَحَتَ فِيهَا مُشْمَخِرَّ المَنازِلِ
                                                                    فسُمْتُمْ هَوَانَ الذُّلّ أحْرَارَ فارِسٍ،
                                                                            وعلمْ تخفَ فيهِمْ غامِضَاتُ المَقاتِلِ
                                                                    وَهابَكُمُ ذو الضِّغنِ حِينَ وَطِئْتُمُ
                                                                            رقابَ الأعادي، وَطْأةَ المُتَثاقِلِ