حرف الياء لعمري لقد نبهت يا هند ميتا - الفرزدق
حرف الياء لَعَمْرِي لَقَدْ نَبّهْتِ يا هِندُ مَيّتاً
                                                                            قَتيلَ كَرىً من حيثُ أصْبحتُ نَائِيَا
                                                                    وَلَيْلَةَ بِتْنَا بِالجُبُوبِ تَخَيّلَتْ
                                                                            لَنَا، أوْ رَأيْنَاهَا لِمَاماً تَمَارِيَا
                                                                    أطَافَتْ بِأطْلاحٍ وَطَلْحٍ، كَأنّما
                                                                            لَقُوا في حِياضِ المَوْتِ للقَوْمِ ساقيَا
                                                                    فَلَمّا أطافَتْ بالرّحالِ، وَنَبّهَتْ
                                                                            بِريحِ الخُزَامَى هاجعَ العَينِ وَانِيَا
                                                                    تَخَطّتْ إلَيْنَا سَيرَ شَهْرٍ لِسَاعَةٍ
                                                                            مِنَ اللّيْلِ، خاضَتها إلَينا الصّحارِيَا
                                                                    أتَتْ بالغَضَا، من عالجٍ، هاجعاً هوَى
                                                                            إلى رُكْبَتيْ هَوْجَاء تَغْشَى الفَيافِيَا
                                                                    فَباتَتْ بِنَا ضَيْفاً دَخيلاً، ولا أرَى
                                                                            سِوَى حُلُمٍ جَاءتْ بهِ الرّيحُ سَارِيَا
                                                                    وَكَانَتْ إذا ما الرّيحُ جاءتْ بَبشْرِهَا
                                                                            إليّ سَقَتْني ثُمّ عَادَتْ بِدائِيَا
                                                                    وَإني وَإيّاهَا كمَنْ لَيْسَ وَاجِداً
                                                                            سِوَاها لِمَا قَدْ أنْطَفَتْهُ مُداوِيَا
                                                                    وَأصْبَحَ رَأسِي بَعْدَ جَعْدٍ كَأنّهُ
                                                                            عَناقِيدُ كَرْمٍ لا يُرِيدُ الغَوالِيَا
                                                                    كأني بِه استَبْدَلْتُ بَيْضَةَ دارِعٍ،
                                                                            تَرَى بحَفَافَيْ جَانِبَيْهِ العَنَاصِيَا
                                                                    وَقَدْ كَانَ أحْيَاناً إذا مَا رَأيْتَهُ
                                                                            يَرُوعُ كما رَاعَ الغِنَاءُ العَذارِيَا
                                                                    أتَيْنَاكَ زُوّاراً، وَسَمْعاً وَطَاعَةً،
                                                                            فَلَبّيْكَ يَا خَيرَ البَرِيّةِ دَاعِيَا
                                                                    فَلَوْ أنّني بِالصّينِ ثُمّ دَعَوْتَني
                                                                            وَلَوْ لمْ أجِدْ ظَهْراً أتَيْتُكَ سَاعِيَا
                                                                    وَما لي لا أسْعَى إلَيْكَ مُشَمِّراً،
                                                                            وَأمْشِي على جَهْدٍ، وَأنْتَ رَجائِيَا
                                                                    وَكَفّاكَ بَعْدَ الله في رَاحَتَيْهِمَا
                                                                            لمَنْ تحتَ هَذي فَوْقَنا الرّزْقُ وافِيَا
                                                                    وَأنتَ غِياثُ الأرْضِ وَالنّاسِ كُلِّهم،
                                                                            بكَ الله قَدْ أحَيَا الذي كانَ بالِيَا
                                                                    وَمَا وَجَدَ الإسْلامُ بَعْدَ مُحَمّدٍ
                                                                            وَأصْحَابِهِ للدّينِ، مِثْلَكَ رَاعِيَا
                                                                    يَقُودُ أبُو العاصِي وَحَرْبٌ لحَوْضِهِ
                                                                            فُرَاتَينِ قَدْ غَمّا البُحُورَ الجَوَارِيَا
                                                                    إذا اجْتَمَعَا في حَوْضِهِ فَاضَ مِنهما
                                                                            على النّاسِ فَيْضٌ يَعلُوانِ الرّوابِيَا
                                                                    فلمْ يُلقَ حَوْضٌ مثلُ حوْضٍ هما له،
                                                                            ولا مِثْلُ آذِيٍّ فُرَاتَيْهِ سَاقِيَا
                                                                    وَمَا ظَلَمَ المُلْكَ ابنُ عاتِكَةَ الّتي
                                                                            لهَا كُلُّ بَدْرٍ قَدْ أضَاءَ اللّيَالِيَا
                                                                    أرعى الله بالإسْلامِ والنّصْرِ جاعِلاً
                                                                            على كَعبِ مَن ناوَاكَ كَعْبَكَ عَالِيَا
                                                                    سَبَقْتُ بِنَفْسِي بِالجَرِيضِ مُخاطراً
                                                                            إلَيكَ على نِضْوِي الأسُودَ العَوَادِيَا
                                                                    وَكَنتُ أرَى أن قد سَمعتَ وَلَوْ نأتْ
                                                                            على أثَرِي إذْ يُجْمِرُونَ بِدائِيَا
                                                                    بخَيرِ أبٍ وَاسْمٍ يُنَادَى لِرَوْعَةٍ
                                                                            سِوَى الله قَدْ كانتْ تُشيبُ النّوَاصِيَا
                                                                    تُرِيدُ أمِيرَ المُؤمِنينَ وَلَيْتَهَا
                                                                            أتَتْكَ بِأهْلي، إذْ تُنَادِي، وَمَالِيَا
                                                                    بمُدَّرِعِينَ اللّيْلَ مِمّا وَرَاءَهَا،
                                                                            بأنْفُسِ قَوْمٍ قَدْ بَلَغنَ التّرَاقِيا
                                                                    إلَيْكَ أكَلْنا كُلَّ خُفٍّ وَغَارِبٍ
                                                                            وَمُخٍّ، وَجاءَتْ بِالجَرِيضِ مَنَاقِيَا
                                                                    إلَيْكَ أكَلْنا كُلَّ خُفٍّ وغارِبٍ
                                                                            وَمُخٍّ، وَجاءتْ بالجَرِيضِ مَناقِيَا
                                                                    تَرَامَينَ مِنْ يَبْرِينَ أوْ مِنْ وَرَائها
                                                                            إلَيْكَ على الشّهرِ الحُسُومِ تَرَامِيَا
                                                                    وَمُنْتَكِثٍ عَلّلْتُ مُلْتَاثَهُ بِهِ،
                                                                            وَقد كَفّنَ اللّيلُ الخُرُوقَ الخَوَالِيَا
                                                                    لألقَاكَ، إني إنْ لَقِيتُكَ سَالِماً،
                                                                            فَتِلْكَ الّتي أُنْهَى إلَيْهَا الأمَانِيَا
                                                                    لَقَدْ عَلِمَ الفُسّاقُ يَوْمَ لَقيتَهُمْ
                                                                            يَزهيدُ وَحَوّاكُ البُرُودِ اليَمَانِيَا
                                                                    وَجاءُوا بمثْل الشّاء غُلْفاً قُلوبُهُمْ
                                                                            وَقَدْ مَنّيَاهُمْ بالضّلال الأمَانيَا
                                                                    ضَرَبْتَ بسَيْفٍ كانَ لاقَى مُحَمّدٌ
                                                                            بهِ أهْلَ بَدْرٍ، عَاقِدِينَ النّواصِيَا
                                                                    فَلَمّا التَقَتْ أيْدٍ وَأيْدٍ، وَهَزّتَا
                                                                            عَوَاليَ لاقَتْ للطّعانِ عَوَالِيَا
                                                                    أرَاهُمْ بَنُو مَرْوَانَ يَوْمَ لَقُوهُمُ
                                                                            بِبَابِلَ يَوْماً أخْرَجَ النّجْمَ بَادِيَا
                                                                    بَكَوْا بِسُيُوفِ الله للدّينِ إذْ رَأوْا
                                                                            مَعَ السّودِ والحُمْرَانِ بالعَقْرِ طاغيَا
                                                                    أنَاخُوا بِأيْدي طاعَةٍ وَسُيُوفُهُمْ
                                                                            على أُمّهَاتِ الهَامِ ضَرْباً شَآمِيَا
                                                                    فَما تَرَكَتْ بالمَشْرِعَينِ سُيُوفُكُمْ
                                                                            نُكُوباً عنِ الإسْلامِ مِمّنْ وَرَائِيَا
                                                                    سعَى الناسُ مُذْ سَبعَونَ عاماً ليَقلعوا
                                                                            بآلِ أبي العاصِي الجِبَالَ الرّوَاسِيَا
                                                                    فما وَجَدُوا للحَقّ أقْرَبَ مِنْهُمُ،
                                                                            وَلا مِثْلَ وَادي آل مَرْوَانَ وَادِيَا