سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة - الفرزدق
سَقَى أرْيِحَاءَ الغَيْثُ وَهي بَغِيضَةٌ
                                                                            إليّ وَلَكِنْ بي ليُسقَاهُ هَامُهَا
                                                                    مِنَ العَينِ مُنْحَلُّ العَزالي تَسُوقُهُ
                                                                            جَنُوبٌ بِأنْضَادٍ يَسُحّ رْكَامُهَا
                                                                    إذا أقْلَعَتْ عَنْهَا سَمَاءٌ مُلِحّةٌ
                                                                            تَبَعّجَ مِنْ أُخْرَى عَلَيْكَ غَمامُها
                                                                    فَبِتُّ بِدَيْرَيْ أرْيْحاءَ بِلَيْلَةٍ
                                                                            خُدارِيّةٍ، يُزْدادُ طُولاً تَمَامُهَا
                                                                    أُكَابدُ فيهَا نَفْس أقْرَبِ من مشَى
                                                                            أبُوهُ لِنَفْسٍ مَاتَ عَني نِيَامُهَا
                                                                    وَكَان إذا أرْضٌ رَأتْهُ تَزَيّلَتْ
                                                                            لِرُؤيَتِهِ صَحْرَاؤهَا وَإكَامُهَا
                                                                    تَرَى مَزِقَ السّرْبالِ فوْقَ سَمَيَدعٍ،
                                                                            يَدَاهُ لأيْتَامِ الشّتَاءِ طَعَامُهَا
                                                                    على مِثْلِ نَصْلِ السّيْفِ مزّق غمدَهُ
                                                                            مَضَارِبُ مِنْهُ، لا يُفَلّ حُسَامُهَا
                                                                    وَكَانَتْ حَيَاةَ الهَالِكِينَ يَمِينُهُ،
                                                                            وَللنِّيبِ والأبْطَالِ فيها سِمَامهَا
                                                                    وَكَانَتْ يَدَاهُ المِرْزَمَينِ، وَقِدْرُهُ
                                                                            طَوِيلاً بِأفْنَاءِ البُيُوتِ صِيَامُهَا
                                                                    تَفَرَّقُ عَنْهَا النّارُ، وَالنّابُ تَرْتمي
                                                                            بِأعْصَابِهَا أرْجَاؤهَا وَاهْتِزَامُهَا
                                                                    جِمَاعٌ يُؤدّي اللّيْلُ من كُلِّ جَانبٍ
                                                                            إلَيها إذا وَارَى الجِبَالَ ظَلامُهَا
                                                                    يَتَامَى على آثَارِ سُودٍ، كَأنّهَا
                                                                            رِئَالٌ دَعَاهَا للمَبِيتِ نَعَامُهَا
                                                                    لمَنْ أخْطَأتْهُ أرْيِحَاءُ لَقَدْ رَمَتْ
                                                                            فَتىً كَانَ حَلاّلَ الرّوَابي سِهَامُهَا
                                                                    لَئِنْ خَرّمَتْ عَني المَنَايَا مُحَمّداً،
                                                                            لَقَدْ كانَ أفنى الأوّلينَ اخْتِرَامُهَا
                                                                    فَتىً كَانَ لا يُبْلي الإزَارَ وَسَيْفُهُ
                                                                            بهِ للمَوَالي في التّرَابِ انْتِقَامُهَا
                                                                    فَتىً لمْ يَكُنْ يُدْعَى فَتىً ليس مثلَهُ
                                                                            إذا الرّيحُ ساقَ الشَّوْلَ شلاًّ جَهامُهَا
                                                                    فَتىً كَشهَابِ اللّيْلِ يَرْفَعُ نَارَهُ،
                                                                            إذا النّارُ أخْبَاها لَسارٍ ضِرَامُهَا
                                                                    وَكُنّا نَرَى مِنْ غَالِبٍ في مُحَمّدٍ
                                                                            خَلايِقَ يَعْلُو الفَاعِلِينَ جِسَامُهَا
                                                                    تَكَرُّمَهُ عَمَا يُعَيَّرُ، وَالقِرَى،
                                                                            إذا السّنَةُ الحَمْرَاءُ جَلّحَ عَامُهَا
                                                                    وَكَانَ حَيّاً للمُمْحِلِينَ وَعِصْمَةً،
                                                                            إذا السّنَةُ الشّهْبَاءُ حَلّ حَرَامُهَا
                                                                    وَقدْ كانَ مِتْعابَ المَطيّ على الوَجَا،
                                                                            وبَالسّيْفِ زَادُ المُرْمِلِينَ اعتِيامُهَا
                                                                    وَمَا مِنْ فَتىً كُنّا نَبِيعُ مُحَمّداً
                                                                            بهِ حينَ تَعْتَزّ الأُمُورُ عِظَامُهَا
                                                                    إذا مَا شِتَاءُ المَحْلِ أمسَى قد ارْتدى
                                                                            بمِثْلِ سَحِيقِ الأُرْجُوَانِ قتامُهَا
                                                                    أقُولُ إذا قَالُوا وَكَمْ منْ قَبِيلَةٍ
                                                                            حَوَالَيْكَ لمْ يُترَكْ عَلَيْها سِنَامُهَا
                                                                    أبَى ذِكْرَ سَوْرَات إذا حُلّتِ الحُبى،
                                                                            وَعندَ القِرَى، وَالأرْضُ بالٍ ثُمامُهَا
                                                                    سأبكيكَ ما كانَتْ بنَفْسِي حُشاشَةٌ،
                                                                            وَما دَبّ فوْقَ الأرْضِ يَمشِي أنامُهَا
                                                                    وَمَا لاحَ نَجْمٌ في السّمَاء، وَما دَعا
                                                                            حَمامَةَ أيْك فَوْقَ سَاق حَمامُهَا
                                                                    فَهلْ تَرْجِعُ النّفس التي قد تَفرّقَتْ
                                                                            حَياةُ صَدىً تَحتَ القُبُورِ عِظامُهَا
                                                                    وَليسَ بمَحْبُوسٍ عن النفس مُرْسلٌ
                                                                            إلَيها، إذا نَفْسٌ أتَاهَا حِمَامُهَا
                                                                    لَعمْرِي لَقَدْ سَلّمتُ لَوْ أنّ جِثَوةً
                                                                            عَلى جَدَثٍ رَدّ السّلامَ كَلامُها
                                                                    فَهَوّنَ وَجْدي أنْ كلّ أبي امرِىءٍ
                                                                            سَيُثكَلُ، أوْ يَلقاهُ مِنها لزَامُهَا
                                                                    وَقَدْ خَانَ مَا بَيْني وبَينَ مُحَمّدٍ
                                                                            لَيَالٍ وَأيّامٌ تَنَاءَى التِئَامُهَا
                                                                    كما خانَ دَلْوَ القَوْمِ إذْ يُستَقى بها
                                                                            من المَاءِ من مَتنِ الرِّشاءِ انجذامُهَا
                                                                    وَقَدْ تَرَكَ الأيّامُ لي بَعْدَ صَاحِبي
                                                                            إذا أظْلَمَتْ عَيْناً طَوِيلاً سِجامُهَا
                                                                    كَأنّ دَلُوحاً تَرْتَقَى في صُعُودِها،
                                                                            يُصِيبُ مَسِيلَيْ مُقْلَتَيّ سِلامُهَا
                                                                    على حُرّ خَدِّي مِنْ يَدَيْ ثَقَفِيّةٍ
                                                                            تَنَاثَرَ مِنْ إنْسَانِ عَيْني نِظامُهَا
                                                                    على حُرّ خَدِّي مِنْ يَدَيْ ثَقَفِيّةٍ
                                                                            تَنَاثَرَ مِنْ إنْسَانِ عَيْني نِظامُهَا
                                                                    لَعَمرِي لَقد عَوّرْتُ فَوْقَ مُحَمّدٍ
                                                                            قَلِيباً بِهِ عَنّا، طَويلاً مُقَامُهَا
                                                                    شَآمِيّةَ غَبْرَاءَ لا غُولَ غَيرُهَا،
                                                                            إلَيها مِنَ الدّنيا الغَرُورِ انْصِرَامُهَا
                                                                    فَلِلّهِ مَا اسْتَوْدَعْتُمُ قَعْرَ هُوّةٍ،
                                                                            وَمِنْ دُونِهِ أرْجَاؤهَا وَهُيَامُهَا
                                                                    بِغَوْرِيّةِ الشّأمِ التي قَدْ تَحُلّهَا
                                                                            تَنُوخُ، وَلَخْمٌ أهلُها وَجُذامُهَا
                                                                    وَقَدْ حَلّ داراً عَنْ بَنِيهِ مُحَمّدٌ
                                                                            بَطِيئاً، لمَنْ يَرْجُو اللّقَاءَ، لمَامُهَا
                                                                    وَمَا مِنْ فِرَاقٍ غَيرَ حَيْثُ رِكَابُنَا
                                                                            على القَبرِ مَحْبُوسٌ عَلَينا قِيامُهَا
                                                                    تُنَادِيهِ تَرْجُو أنْ يُجِيبَ وَقَدْ أتى
                                                                            من الأرْضِ أنضَادٌ عَلَيهِ سِلامُهَا
                                                                    وَقَدْ كَانَ مِمّا في خَليلَيْ مُحَمّدٍ
                                                                            شَمَائِلُ لا يُخشَى على الجارِ ذامُها